الرأيراي ومشاركات

مع استمرار تصعيد المعارك “المليجيشية” فى السودان، انتقال المعارك إلى جبهة الصحافة والإعلام

فى هذا الواقع الحربي المأزوم، هناك – بلا أدني شك - إعلامان، واحدٌ للحرب (صحافة الحرب) وآخر للسلام (صحافة السلام)،

مدار أوّل:
“ومن ظنّ مِمّن يُلاقي الحُروب.. بأن لا يُصاب.. فقد ظنّ عجزا” ((الخنساء تماضر بنت عمرو بن الحارث السُلّمية))
-1-
أكتب صباح اليوم الإثنين 28 أغسطس 2023، وهو اليوم الخامس لخروج القائد العام للجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، من مبني القيادة العامة بالخرطوم، وظهوره المفاجيء يوم الخميس 24 أغسطس، مُحاطاً بجنوده فى مظهرٍ إحتفالي بمقدمه، فى مواقع عسكرية عالية التأمين، ثُم مغادرته الخرطوم إلى شندي، فعطبرة التي قضي فيها يومين، ومنها إلى بورتسودان التي وصلها يوم الأحد 27 أغسطس الجاري، حيث مقر الحكومة الجديد، وسط أنباء وأخبار متضاربة، تتناقلها وسائل الإعلام، و”شائعات” تحوم فى وسائل التواصل الإجتماعي، حول الطريقة التي تحقق بها الخروج “الآمن” لقائد الجيش، من مبني القيادة العامة بوسط الخرطوم، للفضاء العام، وهل تمّت العملية بـ”تفاهمات” أم بـ”صفقة” ثنائية بين قيادتي الجيش، والدعم السريع، بـ”تيسير” (إستخباراتي) دولي، أم بعملية عسكرية “خالصة” وكاملة الدسم، خطط لها وقام بها ونفذها الجيش السوداني (منفرداً)، فى الوقت الذي يدور فيه الحديث عن وساطة دولية وإقليمية، لتسريع خطوات (منبر جدّة) التفاوضي، بين طرفي الحرب الكارثية، التي مازات دائرة بين الجيش والدعم السريع.
-2-
فى ذات التوقيت، مازال التصعيد العسكري بين طرفى الحرب الدائرة فى السودان – الجيش، الدعم السريع – مستمراً، ومازالت المعارك مستعرة، وبشراسة، تدور بين قصفٍ وغارات جوية لمواقع تمركز الدعم السريع، بطيران الجيش، ورد مدفعى من الدعم السريع، لمواقع تقع تحت سيطرة الجيش، ومازال الطرفان منخرطان فى القتال فى شكل هجوم مُباغت، ورد على الهجوم، وأحاديث كثيرة عن سيطرة طرف على مواقع عسكرية محددة، يقابله – فى ذات الوقت – نفي شديد اللهجة من الطرف الآخر، وأحاديث دعاية “بروباقاندا” حربية عن “تكبيد” قوات “العدو” خسائر فى العتاد والأرواح، واقتراب “ساعة النصر” الحاسم، فى حربٍ دعائية واسعة الإنتشار.
-3-
مازالت كل هذه المعارك تدور فى أم درمان والخرطوم والخرطوم بحري، وأحياء ومناطق مدنية فى العاصمة المثلثة وأطرافها، فيما يزداد اتساع دائرة الحرب المدمرة فى دارفور وكردفان، وقد دخلت البلاد فى مرحلة الأوضاع الإنسانية الحرجة، وبالغة السوء، حيث أصبح الوضع الإنساني خطيراً للغاية، وضع يسوده النقص المريع فى مقوّمات الحياة، وانقطاع التيار الكهربائي فى معظم مدن البلاد لساعات طويلة يومياً، وشُح المياه، وندرة المواد الغذائية الصالحة للإستعمال الآدمي، وجنون رهيب فى أسعار المنتجات الغذائية والخدمات، مما يُنذر بكارثة إنسانية خطيرة، ستكون لها تكلفة عالية، ما لم تُبذل كل الجهود لوقف هذه الحرب العدمية.
-4-
انتقلت الحرب الكارثية بين قوات الدعم السريع (الدعم)، والقوات المسلحة السودانية (الجيش)، إلى جبهة الصحافة والإعلام، وماهذا بغريب فى أجواء الحرب الطاحنة التي يشهدها السودان، وتزداد ضراروتها يوماً بعد يوم.. وبمثلما هناك قتال شرس فى ميادين المعارك على الأرض، هناك “جيش إليكتروني” و”دعم سريع إليكتروني” – أيضاً – مضافاً إلى كتائب، و”كتائب ظل إليكترونية” تتبع للـ”فلول”، وما أدراكما الفلول، وهم لمن لا يعرف، قيادات وانصار نظام الإنقاذ المُباد، ومليشياته العسكرية، الذين مازالوا يجرُّون البلاد – وبإصرار غريب وعجيب – نحو استمرار حالة الحرب، وتمكين الفوضي، التي يظنون أنّها السبيل الوحيد لعودتهم للمشهد السياسي المعقد، وهدفهم الإستراتيجي، هو استعجال الإنقضاض الكامل على المكتسبات القليلة التي حققتها ثورة ديسمبر 2018 المجيدة، فى الحرية، وبخاصة حرية التعبير وحرية التنظيم، والعودة بالبلاد لعهد حكم الإنقاذ الديكتاتوري الشمولي، بعد أن نجح إنقلاب 25 أكتوبر 2022، فى قطع الطريق أمام استكمال مطلوبات الثورة، فى الحرية والعدالة والسلام.
-5 –
جميع هذه “الجيوش الإليكترونية” و”المليشيات الإليكترونية”، يُصرف عليها “صرف من لا يخشي الفقر”، من “أولي ألأمر”، وللأسف، هناك “صحفيين/ات”، كان من المُفترض – والمؤمّل – أن يلتزموا ويلتزمن بالمهنية والإحترافية، ولكنهم/ن، سمحوا وسمحن لأنفسهم/ن، فى التخطيط والتنفيذ، لهذه الحرب القذرة، وآثروا/ ن أن يعملوا ويعملن “خُدّاماً” و”نافخي كير” عند مالكي وممولي هذه المنصات الإعلامية، فأصبحوا / ن جنوداً فى جيوش ومليشيات الدعاية “البروباقاندا” الرخيصة، ضاربين بمواثيق الشرف الصحفية عرض الحائط!.
-6-
هذه المواقع والصُحف والمنصات الإليكترونية، ظلّت تنشط فى بث ونشر وتوسيع رقعة خطاب الكراهية والعنصرية والجهوية، وتمارس عملياً الترويج للحرب، والتحشيد لها بصورة مفضوحة، تساندها مئات الحسابات و”الحسابات الوهمية” فى الميديا الإجتماعية “السوشيال ميديا” بمختلف مسمياتها (تويتر – فيسبوك – تيك توك – وقروبات واتساب – …… إلخ)، وتعمل وفق خطط وترتبيات أمنية وإعلامية واضحة، وتنسيق عالي الدقة، وهي كما أسلفنا، يديرها صحفيون/ات “محترفون/ات” و”متفرغون/ات”، يساندهم “نُشطاء” و”ناشطات” مدفوع لهم/ن بـ”سخاء”، للقيام بهذا العمل الخبيث، بحيث يظل هذا التضليل الإعلامي، والإضطراب الإعلامي، وخطاب الكراهية، وتمجيد الحرب، ويبقي متواجداً وسارياً، بل، وسائداً فى المشهد الإعلامي بصورة مستدامة، ومن المهم الإشارة – هنا – إلى أنّ ظاهرة الجماعات الإليكترونية، المعروفة والمسماة شعبياً وإعلامياً بـ”الجداد الإليكتروني” ظلّت تمارس حربها الظلامية فى الفضاء الإعلامي السوداني، بكثافة، منذ السنوات الأخيرة لحكم الإنقاذ، وحتّي بعد ثورة ديسمبرر 2018.
-7-
فى هذا الواقع الحربي المأزوم، هناك – بلا أدني شك – إعلامان، واحدٌ للحرب (صحافة الحرب) وآخر للسلام (صحافة السلام)، والمؤسف أنّ صوت إعلام وصحافة الحرب هو الأعلي، إذ نجده ينشر – وبكثافة – خطاب الكراهية، ويُكرّس منصاته المتعددة لهذا الخطاب الكريه، وينشط – بل، يتمادى – فى نشر خطاب يُمجّد الحرب، والعنف، ويمارس التضليل الإعلامي، ويُحرّض على استمرار العنف والنزاع المسلح، ويقوم بزرع الفتن بين مكونات المجتمع السوداني، وهو إعلام له باع طويل فى صناعة الكذب والتضليل الإعلامي، يخدم أجندات الحرب، بلا وازعٍ أو ضمير، أو التزام – مطلوب – بمواثيق الشرف الصحفي التي تُحرّم وتُجرّم الدعاية للحرب.
-8-
أمّا (إعلام السلام)، وهو على محدوديته، وضعف امكانياته المادية والبشرية في السودان، نجده يسعي جاهداً للوصول للحقيقة، ونشرها للجمهور، ويتعرّض الصحفييون والصحفيات المنتمون/ يات لهذا الإعلام، لحملات تخوين وإشانة سمعة، وتهديد ممنهج، واعتداءات جسدية ومعنوية واعتقالات وتعذيب من أجهزة استخبارات طرفي الحرب اللعين، وهو إعلام جدير بالحياة، ويستحق ويحتاج للمزيد من الدعم والمساندة، وبناء وتعزيز القدرات المهنية، وهذا ما سنعود له – وربّما – بالتفصيل، فى مقالاتٍ ومقاماتٍ أخري.
جرس أخير:
“أذا الحربُ حلّت ساحة القومِ .. أخرجت عُيوب رجالٍ .. يُعجبونك فى الأمن” ((أوس بن حجر))
فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى