الرأي

لم يقل حتى وداعاً فى الرحيل تاج السر مكى قاسى وعانى ولم تفتر همته

غيّب الموت الأستاذ والمربى الكبير تاج السر مكى أبوزيد، فى اليوم التاسع والعشرين من ديسمبر 2015، وهو واحد من جيل المعلّمين الذين أخلصوا لقضية اتربية والتعليم، فقد عمل معلّماً، وبذل عمره عطاءاً فى جبهات الفكر والأدب والثقافة والصحافة، وقد تربّى على يديه ونهل من علمه الوافر مئات الطلاب، واسهم بعطاء لا يعرف الأخذ فى خدمة صاحبة الجلالة الصحافة، كاتباً فذّاً، له أسلوبه المتميّز فى الكتابة، ومُحلّلاً سياسياً عميق التفكير، ومُعلّماً للأجيال الصحفية الجديدة فى تواضعً جم ونكران ذات.نتقدّم فى ( سودانس ريبورترس) بالعزاء الصادق لأسرته الصابرة ولتلاميذه وعارفى فضله بأصدق التعازى

الأستاذة لمياء الجيلى الصحفية والمدافعة عن حقوق الإنسان والمرأة وحرية التعبير والصحافة كتبت فى مدونتها الشخصية بـ(شبكة مدونات كاتب) ناعية هذا الفقدالكبير، ومعدّدة مآثره، وقد أذنت لنا – مشكورة – بإعادة نشر مقالها أدناه :

لم يقل حتى وداعاً فى الرحيل تاج السر مكى قاسى وعانى ولم تفتر همته

لمياء الجيلى

بهدوءٍ يشبه طبعه ، وبسلام و وداعة تامة رحل عنا الكاتب والمناضل والمعلم والمربى تاج السر مكى ، تاركاً فراغاً عريضاً، وحزناً عميقاً يجعل مهمة الكتابة عنه من أصعب المهام ، إن لم تكن ضرباً من ضروب المستحيل . “كيف يا  السر تموت من غير ما تودعنا … السر لدينا بعض حديث لم نكمله – الونسة لسة ما كملت ” رددت هذه العبارات والكلمات المخنوقة بالحسرة والألم زوجته الأستاذة والمربية قمر عيسى، حين أكد لنا الطبيب خبر وفاته. كان من الصعب علينا جميعاً أن نستوعب موت أستاذ السر للسرعة التى فارقنا فيها ولازال صدى كلماته يتردد فى آذاننا وبسمته أمام أعيننا.. رحل بوداعةٍ وسلامٍ وهدوءٍ غريب. تحجرت المآقى وسدت العبرات الحلقوم.

لم يخطر ببالى أننى وأصدقاء وصديقات سنكون معه فى أخر لحظات حياته .. لم نكن ندرى أننا من سيحمل آخر وصياه للوطن  ، لللأصدقاء والزميلات والزملاء.. لم يخطر ببال أحدنا أنه كان اللقاء الأخير وأن حديثه معنا هو الأخير .. هنالك بعض حديث لم نكمله وكثير من القضايا التى تحتاج للتحليل ولرأيه ومشورته.

خسارة كبيرة وفقد جلل للصحافة وللنضال وللغلابى وللوطن …حلمه للوطن الكبير بالديمقراطية وحلمه للشباب بالتقدم والرفاه ، مشبع بحب الوطن ومعتق بإنسانية عالية وبتواضع جم ، متجرداً ناكراً لذاته مترفعاً عن الصغائر .

من خلال قلمه المتفرد نشر الفكر التقدمى ودافع عن كثير من القضايا الحقوقية والإنسانية ، ترك إرثاً إنسانياً باقيا ما بقيت الحياة ، وكثير من التساؤلات والقضايا التى ظل جلّ حياته يبحث فى ثناياها عن الحقيقة وما ينفع الناس.

خاطب وجدان العديد ونزلت كثير من كلماته برداً وسلاماً على دعاة التغيير والعدالة والسلام ، وهب حياته وقلمه من أجل النضال فى سبيل بناء وطن عالى وسامى يسع الجميع.. قاسى وعانى فى درب النضال ولم تفتر همته أو يتراجع

كان متفانياً فى حبه لوطنه ، مضحياً بوقته وجهده فى رفعته، زاهداً فيما يشغله عن هدفه أو يزحزحه قيد أنملة مما يعتنقه من أفكار يؤمن بها ، ومن مبادىء عاش بها ولها ، حتى لو كانت كنوز الأرض ومباهجها.

أستاذى وأبى الإنسان تاج السر مكى إلتقيته فى محطات عدة غير محطة الصحافة والكتابة ..كان واحداً من مؤسسى الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات . وبحكم سكننا فى مناطق مجاورة كنا نترافق فى العودة من اجتماعات الهيئة … كانت رحلة العودة رغم بعد المسافة قصيرة بما كان يدور فيها من حديث وتحليل وموضوعات ثرة كان يديرها الأستاذ الفاضل والراحل المقيم. كان ، ويصعب على أن أقول كان ، فهو سيظل فى دواخلنا حباً ومعرفة ونضالاً وفكراً إنسانيا لن ينضب معينه، كان فى اجتماعات الهيئة يدهشنا بآرائه وأفكاره الخلاقة وبرؤيته الصادقة والهادئة بهدوئه المعتاد  للتغيير وللحقوق ونشر الوعى. كما كان يدهشنا بأدبه فى الحديث ولباقته وقدرته الفذة والمتفردة فى التحليل وفى إنفعاله وجرأته فى الدفاع عن حقوق المستضعفين والمهمشين.

وأثناء تواجدنا معاً بالهيئة ، وحينها كنت أعمل منسقة برامج تعليم حقوق الإنسان بمعهد تنمية المجتمع المدنى بكلية شرق النيل فشارك هو والأستاذ ة قمر عيسى فى إعداد دراسة تحليلية(كجزء من أنشطة البرنامج) حول “المناهج التعليمية ، بمرحلتى الأساس والثانوى ومفاهيم  ومبادىء حقوق الإنسان”  . فكانت من أميز الفترات والأنشطة بتلك المحطة من حياتى ، فتعلمت من الأساتذة السر مكى وقمر عيسى  الكثير من خلال تلك التجربة . وتعرفت على الكثير من التجارب الثرة والخبرات العظيمة والتحليل التشريحى للعديد من جوانب العملية التعليمية .

كان غزير المعرفة عنده قدرة هائلة فى التحليل وربط الأشياء والوقائع ..ترك بصماته وفكره الذى سيظل مقيماً  وباقياً ما بقيت الحياة.. كان مهموماً بقضايا الهوية والتمييز بناءً على الإثنية والأصل الإجتماعى والجنس،  أو النوع ،  ويرى أن تجاهل مناقشة تلك القضايا ومخاطبة جذورها أضر بالمجتمع السودانى وباستقرار البلاد .. لديه مكتبة مليئة بالكتب فى منزله يعتز بها ويحفظ ما بها من كتب وموضوعات عن ظهر قلب استفاد منها عدد من الصحفيات والصحفيين والباحثات  والباحثين.

فجيعتنا فى فقده  لا توصف ، وحزننا على فراقه جفف أقلامنا وشتت أوراقنا.

لمياء الجيلى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى