الرأيسلايدرمدارات - فيصل الباقر

كفى السودان حرباً ودماراً واقتتالا… من يزرع ريح الحرب لن يحصد سوى العاصفة !.

الناس البسطاء، على وجه الخصوص، والناس عموماً، من كلّ الطبقات والفئات الإجتماعية، والجهات الجغرافية، هم ضحايا الإنتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، وهي انتهاكات غير مسبوقة ضد المدنيين، فى تاريخ الحروب السودانية الطويلة

 

كفى السودان حرباً ودماراً واقتتالا… من يزرع ريح الحرب لن يحصد سوى العاصفة !.

 

الناس البسطاء، على وجه الخصوص، والناس عموماً، من كلّ الطبقات والفئات الإجتماعية، والجهات الجغرافية، هم ضحايا الإنتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، وهي انتهاكات غير مسبوقة ضد المدنيين، فى تاريخ الحروب السودانية الطويلة

 

مدار أوّل:

“في آخرِ الأشياء .. ثمرٌ على وشك السقوطِ .. عن الشجر… تلك النهاية والبداية .. أو كلام للسّفر” ((محمود درويش))

-1- 

تُرى متى تتوقف الحرب “المليجيشية” الكارثية، وقد دخلت عامها الثالث، وبصورة أكثر وحشية ودموية، وعطش نفسيّ بغيض للدماء والدمار والعُنف، والعُنف الجنسي كواحدٍ من أمضى أسلحة الحرب، غير المسبوق فى تاريخ الحروب فى السودان، ومتى تصمت أصوات البنادق، ولعلعة السلاح، ومتى يختفي من سماوات المُدُن ضجيج الطائرات والمسيّرات، ومتى تتوقف سيول القذائف والمسيّرات والبراميل المفخّخة، التى تضرب – وبلا رحمة – مساكن المدنيين، وتحصد أرواحهم البريئة، غير عابئة بقيم الحق فى الحياة والأمن والأمان، وباختصار غير مُخِل، متى تنقطع دائرة العنف الشريرة، التى أهلكت الضرع والزرع، فى طول وعرض البلاد، ومازال سدنتها ومشعلي نيرانها الحارقة يقولون: هل من مزيد ؟!.

-2- 

هذا السؤال، هو سؤال الساعة، وكل ساعة، منذ اندلاع الحرب “المليجيشية” الكارثية، فى قلب عاصمة البلاد الخرطوم، صباح يوم 15 أبريل 2023، وهو سؤال مشروع، سؤال ظلّ يُلاحق مفجِرّي هذه الحرب اللعينة، وداعميهم فى الداخل والخارج، كما ظلّ يطرحه ويردّده المذيعون والمذيعات فى نشرات الأخبار، وبرامج الـ(“تووك شو”)، التى تبثّها  الفضائيات والقنوات الإقليمية وبخاصّة “الخليجيّة، والتى  مازالت تجعل من أخبار المعارك القتالية أبرز أخبارها، و”ترينداتها”، وتُتابع تحرّكها وتدحرج كرتها، من الخرطوم، وأم درمان والخرطوم بحري، وضواحيها، إلى كل المدن والولايات التى انتقلت إليها، ومازال يتغالط حولها وحول أهدافها وجدواها، ضيوفهم الذين يعبّرون عن انحيازاتهم الصريحة والمكشوفة، والمفضوحة، لأحد طرفي الحرب الرئيسيين (الجيش والدعم السريع)، مهما تدثّروا بعباءات وعبارات تُوحي بـ(الحياد)، وقد شبع المشاهدون والمشاهدات من الكلام المكرور، والتحليلات الفطيرة، والبروباقاندا الغبية، والحديث الموهوم عن اقتراب ساعة النصر، الذي تبثه وتنشره وتُلوّث به الفضاء الإعلامي، كتائب صحافة التضليل الإعلامي والصحافة  المأجورة  التى تُروّج للحرب وخطاب الكراهية والعنصرية والتمييز، فى ظل غياب أوتغييب قسري للصحافة الحساسة للنزاع!.

-3- 

الشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى، رأى الحرب، بأُمّ عينيه، و”ليس من رأى كمن سمع”، وعاش ويلاتها، ويحدثنا التاريخ، أنّ زهير كان خير “شاهد عيان” لحرب (داحس والغبراء)، وهو الذي نظم شعراً خلّده التاريخ، فى وصف الحرب، والتذكير بويلاتها، وهو – كذلك – صاحب النصح المبين بتوقّي شرور الحرب، وقد برع – زهير – فى مدح من يتسبّبوا فى درء فتنة الحرب، فى معلّقته الشهيرة ذات الـ(62) بيتاً، التى نظمها فى بحر الطويل، وقد كتبها زهير – وقتها – فى مدح  مُصلِحين، وهما الحارث بن عوف المري، وهرم بن سنان المري الغطفاني، اللذين أصلحا بين (بني عبس) و(بني فزارة)، والتي تبدأ بالقول: ” أمِن أُمِّ أوفى دِمنةٌ لم تكلّمِ … بحومانةِ الدُرّاجِ فالمتلثلّمِ … ودارٌ لها بِالرقمتينِ كأنّها مراجعُ وشمٍ في نواشِر مِعصمِ”. وهذه دعوة صادقة، وعاجلة، لقراءة وتأمُّل معلّقة زهير، لما فيها من دورس وعِبر، عن الحرب وشرورها، وما أعظم، وما أروع الحكمة، حينما تأتي منظومة من فحول الشعراء !.

-4- 

الناس البسطاء، ضحايا الحرب “المليجيشية” الكارثية، هم من شرّددتهم الحرب، وأخرجتهم من بيوتهم وديارهم، وأبعدتهم من أحبّائهم، وقد  حرمتهم الحرب من الحق فى السكن الآمن، وحرمت أبناءهم وبناتهم من الحق فى التعليم، والحق فى العلاج، والحق فى المأوى الآمن، وحرمت عوائلهم من لم الشمل – وقد تفرّقت بهم السُبل، بسبب الحرب، وما عادوا يعرفون متى الرجوع لديارهم ومراتع صباهم !.

-5- 

نعم، الناس البسطاء، على وجه الخصوص، والناس عموماً، من كلّ الطبقات والفئات الإجتماعية، والجهات الجغرافية، هم ضحايا الإنتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، وهي انتهاكات غير مسبوقة ضد المدنيين، فى تاريخ الحروب السودانية الطويلة، فى الكم والنوع والعُنف الممنهج ضد المدنيين، إنّها حرب تدور على أجساد المدنيين، وعلى أجساد النساء والفتيات، مارستها بجلافة، وقسوة منقطعة النظير، تعود إلى حروب القرون الوسطى، قوات الدعم السريع من جهتها ، ضد الأبرياء،  ومن الجهة الأُخرى مارسها معسكر الجيش، ومن هم تحت خيمته، وإمرته قانونياً وتنظيميّاً واخلاقيّاً، ممّن يطلقون عليهم، قوات العمل الخاص، والمستنفر ين، وما أدراكما المستنفرين، ومعهم- كتائب البراء، وما أدراكما البراء، ليرتكبوا انتهاكات فظيعة، تعود إلى حروب القرون الوسطى، ويعيدون فى السودان التجربة  “الداعشية “، يقتلون الأبرياء بدمٍ بادر، و”يمثّلون” بالجثث، وقد شاهدنا “قسوتهم”، ولا إنسانيتهم، فى مقاطع فيديو ينفطر منها كل ذي قلبٍ سليم، إنّها انتهاكات، يندى لها جبين كل نفس بشرية سوية، ولكنّهم، لا يشعرون!.  

-6- 

من حقّنا، بل، واجبنا، أن نقول (لا للحرب)، وأن نقف فى صف حكيم الشعراء زهير بن أبي سلمى، وكل الشعراء الأماجد والشاعرات الماجدات ممن وهبوا حياتهم/ن وكرّسوا إنتاجهم/ن الإبداعي، لنشر وتعزيز ثقافة السلام، فرفعوا / رفعن الصوت عالياً ضد الحرب، وتغنّوا وتغنين للسلام، ومن واجبنا أن نقف – دوماً وأبداُ – فى صف ضحايا الحرب، والناجين والناجيات من ويلاتها، ومن حقنا – بل، واجبنا – أن نطالب بالوقف الفوري للحرب “المليجيشية” الكارثية، وأن نطالب بإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين والمحتاجات، والدواء للمرضي، وأن نطالب بأن لا تُستخدم الإغاثة كسلاح حرب، وأن لا يُستخدم التجويع، كسلاح حرب، ضد المدنيين والأسرى، ومن حقنا وواجبنا – فى ذات الوقت – أن نرفع الصوت عالياً ضد الإفلات من العقاب، فى الجرائم المرتكبة ضد الصحفيات والصحفيين، والطبيبات والأطباء، وعمال وعاملات الإغاثة، وكل المدنيين والمدنيات، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، وسيطال الحساب والعقاب، مرتكبيها، طال الزمن أم قصر!. .

-7- 

نعم، من واجبنا، أن لا  نقع ضحايا “البروباقاندا” الغبية، التى تريد منّا أن نُفرّق بين إنتهاك، وإنتهاك آخر، أو أن نكيل بمكيالين، فندين إنتهاكات “زيد”، ونصمت، ونتغاضى عن إنتهاك “عبيد”، فانتهاكات حقوق الإنسان، هي انتهاكات حقوق الإنسان، بغض النظر عن من إرتكبها… ومن حقّنا – بل، واجبنا – أن لا نستجيب لحملات الابتزاز، والتخوين، والترهيب والترغيب … وأن نواصل رفع الصوت – عالياً وواضحاً – ضد الحرب. ومن حقّنا – بل، واجبنا – أن نقول لمن زرعوا بذرة الحرب فى تربة السودان “الفضل”،  كفى، يا هؤلاء، فتاريخ الحروب، وحاضرها – بل، ومستقبلها، إن كان للحروب مستقبل – يؤكّد أنّ من يزرع ريح الحرب، لن يحصد سوى العاصفة … أرحموا من فى أرض السودان “الفضل”، يرحمكم من فى السماء؟؟!!. 

جرس أخير:

“وما كُل من يغدو إلى الحرب فارسٌ … ولا كُل من قال المديح فصيح” ((إبن الدهان))

 

فيصل الباقر

faisal.elbagir@gmail.com

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى