تقاريرتقاريرسلايدر

عندما تُدمّر كلمة “عشوائي” الشعور بالمواطنة… مواطن : عندما يقال لى بيتك عشوائي …اشعر باننى أنا العشوائي، ولست مواطناً

تدمير وإزالة مساكن المواطنين يُعمِّق الغبن والانقسام المجتمعي وخطاب الكراهية

عندما تُدمّر كلمة “عشوائي” الشعور بالمواطنة

مواطن : عندما يقال لى بيتك عشوائي …اشعر باننى أنا  العشوائي، ولست مواطناً 

تدمير وإزالة مساكن المواطنين يُعمِّق الغبن والانقسام المجتمعي وخطاب الكراهية

كتبت: مديحة عبدالله   –  خاص (سودانس ريبورترس) – 8 يونيو 2025

ظلت قضية إزالة مساكن المواطنين بواسطة  آلة السلطة فى مختلف مناطق ولاية الخرطوم مثار غضب وجدل طيلة فترة حكم الإنقاذ البائد التى كانت تتم  تحت دعاوى (إعادة التخطيط وإزالة السكن العشوائي) لما خلفته من آثار اقتصادية واجتماعية على المواطنين والمواطنات الذين طالتهم تلك الممارسات، ولم يقتصر الأمر على استهداف أحياء ومناطق سكنية بعينها، بل أعمال ومهن يقوم بها الفقراء من النساء والرجال،  وهم فى الغالب مواطنين حرموا من حق التعليم والاستقرار الاقتصادى، ومن الذين دفعوا ثمن الحرب فى دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان والشرق،  ولم يجدوا بدّاً من النزوح للخرطوم العاصمة، بحثاً عن الأمان  والاستقرار الاقتصادى، لكنهم واجهوا صنفواً من المطاردة والملاحقة، انتهكت حقوقهم فى السكن والعمل والاستقرار، لم تقتصر تلك الممارسات السلطوية على ولاية الخرطوم، لكن، يتم التركيز عليها هنا  باعتبارها كانت العاصمة، قبل أن تدمرها حرب 15 أبريل المتوحِّشة وكانت ملاذاًٍ لملايين السودانيين والسودانيات، الذين ضاقت بهم سُبل الحياة فى مناطق السودان المختلفة.

أنا عشوائي ولست مواطناً:

لعل أفضل مدخل لهذا التقرير، هو ما قاله مواطن فى حلقة نقاش إعلامية 2020، حول معنى المواطنة،  قال (عنما يقال لى بيتك عشوائى، اشعر بأنني أنا العشوائى، وأننى لست مواطناً)، ونتيجة تلك الممارسة أخدت العلاقة بين المواطنين والسلطات تتخد أبعاداً تتسم بالمواجهة، والعنف، كما حدث فى منطقة سوبا  الأراضى بالخرطوم، رغم توقيع إتفاقية نيفاشا (يناير2005) التى تضمنت وثيقة الحقوق، وكفلت حق السكن والخصوصية، حيث جرت مواجهات دامية، بين الشرطة والمواطنين، بسبب عزم السلطات ترحيلهم من المنطقة، بهدف تحويلها لمنطقة استثمارية (سودانايل 18 مايو 2005).   

لقد عكست جغرافيا العاصمة من ناحية مناطق ومباني وخدمات، واقع السودان ومواطنيه، خاصة الذين عانوا من النزاعات المتطاولة، وكانت الخرطوم العاصمة ملاذاً لهم، رغم أن الكثيرين منهم اضطروا للاستقرار فى مناطق أُطلق عليها فى البداية “معسكرات النازحين”، وكانت تفتقر لابسط الخدمات وضروريات الحياة، فعمدوا للاستقرار بها، وتوفرت فيها بعض الخدمات بجهودهم الذاتية… إن الأسماء التى أطلقها المواطنون على الأحياء التى استقروا بها توضح مدى الشعور بالغبن، وكذا الوعى بواقعهم الاجتماعى، حيث نجد أسماء مثل (كرور) (البقعة كرور) (جبرونا) (زقلونا) (عشش فلاتة) city limits- urbanization and vulnerability in Sudan –Khartoum case study –Jun-2011

مما يكشف عن مظالم اجتماعية عززتها ممارسات الأنظمة السياسة المتعاقبة، وكرستها سلطة الانقاذ.  

وبعد ثورة ديسمبر 2018، قامت السلطات بازالة وحرق منازل مواطنين في المنطقة الواقعة بالقرب من كلية البصريات، ومستودعات شركة البيبسي، ومعسكر شرطة الاحتياطي المركزي بحي جبرة بالخرطوم.

وانتقد تجمع الاجسام المطلبية، عملية إزالة المنازل وحرقها، وإعتبره إنتهاكاً وخروجاً عن القانون، وتعدي على حقوق المواطنيين الآمنين، وتغوُّل على صلاحيات الجهات المختصة، وتصرف غير مسؤول (صوت (الهامش 18 يونيو2020 ).

ولم  تقف ممارسة السلطات للعنف ضد المواطنين، عند حد إزالة المساكن، بل تعدّت  إلى  إلغاء تراخيص عمل النساء العاملات فى بيع الشاي والأطعمة والتسالي (راديو دبنقا  20 يوليو 2016).   

ولجأ المواطنون لأساليب مختلفة لحفظ حقوقهم فى مواجهة  تعسف السلطة،  تارة بالمواجهة، وتارة  أُخرى بالتفاوض،  حيث أورد موقع الأخبار (30 مايو 2016) أن بائعات الشاي فى منطقة الخرطوم بحري، وفى لقاء مع معتمد المحلية توصّلن لاتفاق قضى بالحصول على تراخيص مجانية، وحماية من حملات الشرطة، وإنشاء مظلات ثابتة، نظير سداد قيمة كوبين من الشاي يومياً لسداد اقساط تكاليفها!.

استمرار الإزالة أثناء الحرب

 واستمرت  سياسات الإزالة أثناء الحرب، حيث قامت سلطات ولاية الخرطوم، بحملات منظمة بإشراف والي الولاية، بإزالة مساكن المواطنين، بدعوى أنّها (عشوائية)، وشهدت منطقة العزبة، ودار الأحامدة، عملية إزالة للمساكن، حسب وكالة الأنباء الرسمية (سونا 30 ابريل 2025).

كما تمت إزالة مساكن قرية الخيرات، بشرق النيل، بالخرطوم 27 مايو2925، وسط ردود فعل غاضبة من المواطنين، وذكر مؤتمر الكنابي أن الإزالة تُعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، والقانون الدولي، وأنها تمت بدوافع عنصرية (عين الحقيقة – 28 مايو 2025)، فيما ذكرت وزارة التخطيط العمراني بولاية الخرطوم، أن القرية أُقيمت فى مخطط بشرق النيل، مخصص لمواطنين، عبر الخطة الإسكانية (الطابية 30 مايو 2025).   

ردود الفعل على توتير:

وصبت تلك الممارسات المتعسفة الزيت على نار الانقسام المجتمعي على أساس جهوى ومناطقي وعرقي الناجم عن الحرب… ويمكن ملاحظة ذلك، من خلال نتيجة رصد مواقع التواصل الاجتماعي وهذا نموذج لردود الفعل عبر توتير بتاريخ 30 مايو 2025

وبرز من الرصد إتجاهين: الأول هو  معارضة لإزالة المساكن، باعتبار أن المواطنين لهم حق الإقامة، فى أي مكان فى السودان، وعلى السلطة حمايتهم، وفى حالة الحاجة للتخطيط، فمن واجبها أن توفر لهم بديل، إضافة إلى أن بعضهم استقروا فى المناطق التى تمت إزالتها منذ قدومهم من مناطقهم، التى شهدت النزاعات، وتم الاستيلاء على أراضيهم  لصالح الاسثمار، وأن من يؤيدون إزالة المساكن، ينطلقون من منطلق جهوي.  

بينما برز إتجاه آخر، يؤيد إجراءات الإزالة باعتبار أن من شملتهم،  ليس لهم الحق فى الاستقرار بها، لأنها ليس مناطقهم الأصلية، وعليهم إمّا الشراء، أو إيجار منزل، وليس الإقامة بشكل عشوائي، وتطرقت المداخلات لسكان الكنابي باعتبار أنها تضم “أجانب”، وتتم بها ممارسات “مخالفة للقانون”، كما أن وجودهم يؤدي إلى التغيير الديمغرافي، ومن حق السلطة إزالة مساكنهم، وأنّ زمن “التهاون” معهم، انتهى، واتسمت بعض الآراء بخطاب كراهية وعنصرية عنيف، مما يوضح  أشكال من الانقسام المجتمعي الذى عمقته الحرب، مما يستوجب مناهضته إعلامياً وسياسياً.

*الصورة من الإنترنيت 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى