Uncategorized

الإتصالات: سلاح الحكومة والدعم السريع في مواجهة المدنيين

العودة الجزئية للإتصالات في السودان، لا تعني عدم تعطيلها مًجدداً

 

الإتصالات: سلاح الحكومة والدعم السريع في مواجهة المدنيين

العودة الجزئية للإتصالات في السودان، لا تعني عدم تعطيلها مًجدداً

 

تقرير: سارة عطية – (سودان ريبورترس) “حصرياً”

“كل يوم كُنت أخشي أن تُهاجم شندي أو كسلا أو أن تُستهدف دنقلا” …. مناطق آمنة نزح إليها، أفراد من عائلة محاسن، بينما بقيت هي ووالدتها في عطبرة، تقول: مجرد التفكير، كان مخيفاً، ولكن ظلننا هكذا لمدة إسبوع، انقطعت وسائل اتصالنا مع أهلنا، ولم نكن نعلم ماذا حدث، وماذا سيحدث، كابدنا مخاضاً عسيراً، قبل أن تعود الإتصالات بشكل جزئي – أمس – الإثنين (12 فبراير 2024).

خارج التغطية

في الثاني من فبراير الجاري، توقفت شبكات الهاتف المحمول (سوداني)، و(اِم تِي إن)، ولحقت بهما فى السابع من فبرير شركة (زين) .. وقال مرصد مراقبة الإنترنت نتبلوكس، إن بيانات الشبكة أظهرت إنهياراً جديدًا للإتصالات وسط تصاعُد التوترات بين الحكومة و قوات الدعم السريع شبه العسكرية..

أتهم الجهاز القومي للإتصالات – وهو هيئة حكومية – الدعم السريع، بتعطيل الإتصالات للضغط على الحكومة، بهدف إصلاح انقطاع الشبكة في دارفور التي تقع ضمن سيطرته، فيما نفي الدعم السريع تلك الإتهامات، قابل ذلك، تحفُّظاً واضحاً من الشركات عن الخوض في أسباب القطع، إذ نسبت (إم تي إن) انقطاع الخدمات “لظروف خارجة عن إرادتها” وأكدت ” سعيها “لإستعادة الخدمة فى أسرع وقت”،  وأشارت (زين) إلى أنّ الإنقطاع “حدث لأسباب خارجة عن إرادتها”،  فيما اكتفت (سوداني) بالإعتذار عن “إنقطاع شبكتها”، و قالت أنّ “فريقها يعمل بأقصى جهده، لإرجاع الخدمة فى أقرب وقت لضمان إتصال المشتركين وتواصلهم”.

أمّا المدير التنفيذي السابق لشركة زين، الفاتح عروة، فقد وجه إتهاماً صريحاً في قطع الإتصالات لقوات الدعم السريع، وقال في فيديو متداول على مواقع التواصل الإجتماعي، إنّ تعطيل الخدمات، تمّ عبر إيقاف مولدات الكهرباء عن مركز بياناتها الرئيسي بمنطقة جبرة جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، ما تسبب في قطع الاتصالات بشكل كامل، وقال إن السبب الرئيسي لفصل الشبكة هو اعتقاد الدعم السريع إن توقف الإتصالات عن ولايات دارفور، ناتج عن أوامر حكومية، وهو ما لم يحدث طبقا لقوله.

وأبدي عروة استعداد الشركة  لإعادة الإتصالات لكل السودان، وليس دارفور فقط، متى ما سُمح لهم بإعادة تشغيل مولدات الكهرباء الداعمة للمقسم الرئيسي في الخرطوم. وأضاف عروة: “الخدمة توقفت في دارفور، بسبب الحرب وعدم القدرة على توصيل الوقود ومعدات الصيانة وتأمين فُرُق العمل”، وقال: “إن الشبكة حُجبت في الوقت الذي بدأت فيه الشركة صيانة الشبكة هناك”.

تطابقت معلومات تحصلت عليها (سودانس ريبورترس) من مصادر موثوقة فى شركتي (إم تي إن) و(سوداني) مع الإتهام الصريح الذى وجّهه الفاتح عروة للدعم السريع بحضور قوات مسلحة من الدعم السريع لمباني شركة (إم تي إن) فى المنشية وقاردن سيتي، وأُخري لمواقع (سوداني)، وإجبارهم للعاملين بفصل الكهرباء والمولّدات، وبالتالي توقّفت الأجهزة عن العمل، وهذا ما تسبب فى قطع الإتصالات.

كيف تواصل السودانيون؟

قطع خدمة الإتصالات والإنترنيت، حدّ من قدرة المواطنين على التواصل فيما بينهم داخلياً وخارجياً .
وتوقفت – تبعاً لذلك –  كافة المساعدات التي كان الأهالي يعتمدون عليها، وتعذّر الوصول إلى التحويلات البنكية والمصرفية، وأعاق تقديم خدمات الرعاية الصحية، كما توقف إصدار الجواز الالكتروني في بورتسودان، وبعثات السودان الدبلوماسية.

تقييد وحجب نظام الاتصالات دفع السودانيين، للبحث عن وسائل بديلة لكسر العزلة، فكان اللجوء لتقنية الإنترنت عبر الأقمار الصناعية المعروفة بـ(ستارلينك)، التي دخلت أجهزتها عبر التهريب، من دول ليبيا وجنوب السودان، بسبب حظرها من “حكومة الأمر الواقع”… وتوسّع نطاق استخدام (ستار لينك) في معظم مدن السودان، بعد أن كان محصورا في  مناطق دارفور وكردفان والشمالية، ومناطق التعدين فقط، وهو خدمة ليست فى متناول الغالبية بسبب إرتفاع التكلفة المالية، إذ يتراوح سعر الجهاز بين  1500 إلى 2000 دولار، باشتراك شهري 100 إلى 200 دولار، بينما يدفع المستخدم 500 إلى 1000 جنيه سوداني للساعة الواحدة.

في المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش فى بورتسودان، بلغ سعر الساعة الواحدة في مقهي فندق (كورال) الذى يملكه رجل الأعمال أشرف سيد أحمد “الكاردينال”، مابين 20 ألف إلى 30  ألف جنيه، خلال ذرورة الإنقطاع، وفق ما ذكر لـ( سودانس ريبورترس) الصحفي وليد النور، الذى أشار إلى أن إرتفاع السعر، لم يمنع المواطنين من الإصطفاف في طوابير طويلة طلبا للخدمة، في محاولة للتواصل والإطمئنان على أسرهم وذويهم، وأكد النور أن شريحة الشباب الراغبين في السفر خارج البلاد كانت تمثل أغلبية المستخدمين.

إدارة فنندق نفت في إحدي قروبات الواتساب، ما تداول بشأن تحديد ساعة الإنترنت بمبلغ 20 ألف جنيه، وقالت إن الحد الأدنى “للطلب” في كافتيريا الفندق محدد – أصلاً – بمبلغ 20 ألف جنيه، بينما خدمة الإنترنت مجاناً، وبعد الإزدحام الذي حدث مؤخراً بسبب تعطُّل نظام الإتصالات، ظلت الخدمة مستمرة بذات الشروط ، لكن إدارة الفندق حددت الزمن بساعة فقط لمواجهة الازدحام  طبقا لتبريرها. واعتبرت الإدارة أن هناك حملة لتشويه سمعة الفندق، وعليه، قررت إيقاف الخدمة الخارجية وحصرها على النزلاء فقط. أمّا في فندق (البصيري بلازا) بلغت الساعة 10 ألف جنيه، حسب إفادة وليد النور، أمّا فى أحياء بورتسودان المختلفة، فقد كانت الأسعار متفاوتة، حيث بلغ سعر 500 ميقابايت 1000جنيه والقيقابايت للكاملة 2000 جنبه.

وسائل أُخري ابتكرها السودانيون، منها إنشاء قروبات خدمية بمبادرات شبابية في بعض تطبيقات (السوشيال ميديا) منها قروب بإسم (إطّمن على أهلك) تجاوز أعضائه 8 الف عضو،  كانت المجموعة بمثابة، حلقة وصل لربط السودانيين  بالداخل والخارج، والإجابة على تساؤلات واستفسارات أيّ شخص لديه مسألة عاجلة أو ضرورية، أو لديه مريض في المستشفى يريد الإطمئنان عليه، أو إيصال تذاكر طيران تصل لمسافر، أو إخطار بخبر وفاة، وغيرها من الحالات الإنسانية.

ماذا حدث؟
كيف وجد السودانيون أنفسهم خارج التغطية؟

المتخصص في هندسة الإتصالات عمار قاسم حمودة، أجاب على السؤال، بأن هناك أكثر من طريقة لقطع الإنترنت الأولي طريقة وصفها بـ”الناعمة”، وقال من الممكن أن تأتى بأوامر مباشرة، أما الطريقة الثانية، تتمثل في فصل الكهرباء من قلب الشبكة. وهناك نوع ثالث وهو تدمير البنية التحتية، رغم أنه لم يحدث – حتي الآن – لكن، حمودة في مقابلة مع (سودانس ريبورترس) لم يستبعد وقوعه، في ظل وجود عقلية لاتقدر أهمية الاتصالات.

وتوقع  عمار أن يكون ما حدث فى قطاع الإتصالات في 7 فبراير مدخلاً لصراع موارد بين (الجيش والدعم السريع)، ورجّح أن يتمدد صراع الموارد لمناحي أُخري. وحمل أيّ جهة عسكرية تُعلن سيطرتها على منطقة ما، المسئولية الكاملة عن سلامة العاملين وأمنهم، وحماية الأجهزة الأساسية، وضمان استمرار خدمة الإتصالات، فى كل مناطق سيطرتها. ولا يتوقع حمودة الحصول على أي مكاسب عسكرية من تعطيل الإتصالات، ماعدا إبراز القدرة على “الإيذاء” على حد قوله، وهي ضررها أكبر على المواطن، لكون الجهات العسكرية المتقاتلة، تملك شبكات اتصال مستقلة، تستخدمها في حالة الانقطاع، وتمكنها من التواصل.

واستبعد مهندس الاتصالات عمار، دخول الشركات في أي مواجهات مباشرة مع طرفي القتال، وقال: لا أعتقد أن تُقدم أي معلومات في هذه الظروف، لأنها – أي الشركات – في مقام الأسير أو الرهينة، وبنياتها التحتيّة سواء في العاصمة أو الأقاليم تحت سيطرة أحدهما، وأنّ التعبير عن أي عدم رضا، أو سوء فهم، نتائجه ستكون كارثية، وربما تفقد الأجهزة والمقسّمات، وكل الأشياء الضرورية لتقديم الخدمة .. وأبدي حمودة استغرابه من حديث عروة، الذي اتهم فيه الدعم السريع بفصل الشبكة في منطقة جبرة، لأنه لا يمثل شركة زين التي لديها مدير عام.

تداعيات الانقطاع

حمودة اعتبر، تعمُّد قطع الاتصالات، جريمة كُبري على مستوي حق الفرد، كمواطن فى الدولة، في تمتعه بالخدمات الأساسية، إلى جانب كونها جريمة إقتصادية كبيرة، تترتب عليها تبعات يمكن رؤيتها بوضوح في قطاعات المصارف، لأنها مرتبطة مباشرة بحركة البيع والشراء، والتبادل التجاري، كما فى حركة التعاملات الأخري، كما ظهر جلياً في عملية توقف إصدار الجوازات والأوراق الثبوتية الأخري.

التداعيات تمتد إلى الآثار الإجتماعية، على مستوي الشخص الذي يرغب في الإطمئنان على أهله بمجرد رسالة نصية، أو مكالمة هاتفية، وأضاف حمودة : لذلك أصبح الأثر مضاعفاً ومركباً وغير يسير. وبشأن الخسارة الإقتصادية المتوقعة، قال: إذا كان الحديث عن أرباح الشركات، فالخسائر كبيرة، إذا علمنا أن أرباحها الشهرية تتجاوز الـ( 10 مليون) دولار، وهي تقديرات غير رسمية،  لبعض الشركات، وفيها معلومات يمكن إعادة النظر بها، في ظل الحرب والنزوح، حيث كانت  الحوجة أكبر للتواصل وإنجاز المعاملات عبر الاتصالات، لكن، بالمقابل لابد من أن نضع في الحسبان خروح عدد من المحطات خارج الخدمة، وغيرها من التحولات الأخرى.
ومع ذلك، رأي حمودة، أن لا يكون حساب الخسائر حصراً على أرباح الشركات، لكن يتوجّب النظر في الأبعاد الأخرى، التي تأثرت بإنقطاع الإتصالات، وتأثير ذلك، على مجمل الإقتصاد.

نداء استغاثة، أطلقته غرفة طوارئ بحري، شمال العاصمة الخرطوم، أكدت فيه إن قطع الاتصالات تسبب في وضع كارثي، وأشارت إلى أن ما تبقي من المخزون الغذائي يكفي لمدة شهر فقط، وأن الوضع  الإنساني ينزلق نحو الأسوأ، بعد تعليق الخدمات الصحية والعلاجية… وقالت الغرفة خلال استضافتها في منبر المغردين السودانيين، بمنصة إكس (توتير) سابقاً، للحديث عن قطع خدمات الإنترنت والإتصالات وخطورتها على الوضع الإنساني، إن قطع الاتصالات بالسودان، قد يُسرِّع بحدوث مجاعة تهدد نحو 300 الف نسمة بمناطق شرق وشمال وجنوب بحري، بسبب قطع إمداد أكثر من 56 مطبخاً جماعياً، يغطي فوق الـ 62 ألف أسرة، جراء توقف التحويلات البنكية من المتبرعين.

عودة جزئية

بعد انقطاع الإتصالات عن البلاد، استمر إسبوعاً متواصلاً، عادت شبكة (سوداني) للتغطية “تدريجياً” يوم 12 فبراير، في كلٍّ من كسلا، القضارف، البحرالأحمر، عطبرة، والنهود، ومناطق أُخري، فيما استمرار تعطلها في مناطق الوسط في ولاية الجزيرة و العاصمة الخرطوم، حيث أنها لاتزال خارج التغطية، لأن الشبكة المذكورة  خرجت عن الخدمة منذ فترة  في تلك المناطق، بينما أعادت شركة (إم تي إن) الخدمة “جزئياً” فى مدينة الخرطوم (مكالمات فقط) مساء يوم 6 فبراير 2024.

وقال أحد المتداخلين في قروب (طمن أهلك) إن شبكة (سوداني) لا تعمل في الخرطوم، حيث لايزال المئات محبوسين داخل منازلهم وسط سقوط الدانات والقصف المدفعي والصواريخ و الرصاص الطائش، وهم في أشد الحوجة للعلاج، وبخاصة كبار السن. وأضاف إن مناطق الخرطوم وأم درمان وبحري، لم ترجع فيها الشبكة، والأخبار مقطوعة تماما.

المحافظة على الشبكة مسئولية الطرفين

مهندس الإتصالات السابق بشركتي (سوداتل) و (زين)، حسام عثمان محجوب، إعتبر أن العودة الجزئية للإتصالات في السودان، لا تعني عدم تعطيلها مًجدداً.. وقال في حديثه مع  (سودانس ريبورترس): يمكن أن تُقطع من المقسمات الرئيسية، والمدن المختلفة، ومن الممكن أن يكون قطعا شاملاً، أو جزئياً في مناطق معينة، وأضاف: “لا ضمان أبداً، ومسئولية الجيش والدعم السريع، المحافظة على الشبكة”. وأبان أنّ ما فعلته (سوداني) – الآن – هو أنها اعتمدت على مقسمات جديدة، خارج الخرطوم، وبعيدة من سيطرة الدعم السريع، ولفت النظر إلى أن الأخير يمكنه الحجب فى مناطق سيطرته، كما يمكن للجيش أن يفعل ذلك.

وأكد حسام عثمان إن تقنية (ستارلينك)، تحُول دون إختراق حسابات المستخدمين أو التجسس على مكالماتهم، لكن الشركة لم تحصل على موافقة رسمية من الحكومة لتنشيط خدمتها فى السودان، لذلك يتم إدخال الأجهزة المهربة، وأعتبر أن طرق المصادرة التي لجات إليها السلطات للحد من استخدام (ستارلينك)، ليس حرصاً على المواطنين، وإنما خشية استعمالها لصالح الطرف الآخر، ولم يستبعد المهندس حسام تورُّط طرفي الصراع  في عمليات “بزنس” و”سمسرة” في نفس الأجهزة، وربما هذا ما يفسر الزيادة الكبيرة في أسعارها حسب قوله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى