الوجه الآخر للجنجويد!!..
صناعة السلام تحتاج توجهات تنموية منحازة لغمار الناس، أكثر من إنحيازها للإستثمارات المحلية والعربية والأجنبية
الوجه الآخر للجنجويد!!..
صناعة السلام تحتاج توجهات تنموية منحازة لغمار الناس، أكثر من إنحيازها للإستثمارات المحلية والعربية والأجنبية
كتب : قرشي عوض
بعد انفصال جنوب السودان في العام ٢٠١١ راجعت الانقاذ دستور ٢٠٠٥ بحجة ازالة المواد المتعلقة بالجنوب، وطال التعديل فيدرالية الموارد والإيرادات، باعتبارها ركن في العدالة الانتقالية التي ارستها إتفاقية نيفاشا، فعادت الأرض كأهم مورد تحت تصرف رئيس الجمهورية، كما كانت، وينوب عنه، والي الولاية، والمعتمد، ووزارة التخطيط العمراني. فحدثت أكبر هجمة على أراضي المجتمعات المحلية، من قبل هيئة الاستثمار، ووزارات البنى التحتية، والتعدين، والزراعة الآلية، مما ضيّق الخناق على المراعي، في وقت شهدت فيه الثروة الحيوانية زيادة مضطردة، حيث رصدت ورشة أقامتها وزارة الزراعة والثروة الحيوانية بولاية شمال كردفان، في مدينة أُم روابة عام ٢٠١٦، وصل قطيع الضأن إلى ٥٣ مليون رأس، مع تقلص مساحات الرعي، بسبب الاعتداء الجائر عليها، من قبل أنشطة إقتصادية أُخرى، داخل تشكيلة إقتصادية افتقدت للتكامل فيما بينها. وقد طالبت الوزارة المشار إليها حكومة ولاية شمال كردفان بارجاع ٣٦ مخرف دخلت “كردون” المباني، وتوسعت فيها المدن، و بعضها زحفت عليها المشاريع الزراعية في شمال الولاية . هذا غير الأراضي التي قام فيها مشروع النفط، وتعدين الذهب، في غرب وجنوب كردفان .
إختفت (المسارات والمخاتيت والنُزُل) التي تُنظِّم حركة المرحال، ويرتاح فيها الرعاة لبعض الوقت، في مخرف اسمه (الشويطينة) غرب مدينة الابيض، والذي دخل ضمن السكن الإستثماري، ورحل عنه أهله، إلى غرب كردفان، وحاول الرعاة تنظيم أنفسهم في جمعية أسموها جمعية الإنتاج الحيواني، وتقدموا بطلب عمل زرائب ومحلب حول المدينة، ولكنهم اينما ذهبوا وُضعت في وجههم العراقيل من قبل حكومة الولاية.
وقتها، أطلقت رئاسة الجمهورية يد الإستثمارات العربية والطفيلية الإسلامية في أراضي المجتمعات المحلية. وأفقدت بعضها خصوبتها عن طريق إستخراج النفط، ولم تسأل نفسها عن الكيفية التي يمكن أن يكسب بها هؤلاء الرعاة عيشهم، بعد أن يفقدوا حيواناتهم، ويصبحون في عداد المعدمين . لكن، يبدو أن هذا السؤال كان حاضراً في ذهن المخططين، كما كانت الإجابة عليه أيضا كانت جاهزة وحاضرة، وهي إستيعابهم في حروب الإنقاذ الممتدة. وبعد أن سقطت الإنقاذ، وإنتهت تلك الحروب، تلفّت الرعاة، فلم يجدوا مراعيهم، كما لم تعد يدهم مطلقة في نهب القبائل الأخرى الخارجة على سلطان أمير المؤمنين في الخرطوم.
وإذا نظرنا للحصار الذي تخضع له مدينة الابيض منذ إشتعال هذه الحرب، سنجد أن تلك القوات هي بالفعل موجودة في الأراضي التي كانت ترعى فيها حيواناتها من قبل.
والجديد – فقط – أنها تحمل السلاح وتقطع الطريق. في مناطق مثل الدبيبات التي يوجد فيها ٣٣ أرتكاز تقطع مدينة الابيض عن غرب كردفان…. وكذلك مدينتي الفولة وأبوزبد، تسكنها قبائل ينحدر منها معظم المسلحين في قطاع كردفان. وأغلب سائقي الشاحنات الذين التقيناهم بعد تعرضهم للنهب على هذا الطريق، قالوا إنهم قد تم الاعتداء عليهم من قبل مدنيين يحملون السلاح، ولكنهم، لايستطيعون أن يجزموا، بأنهم من قوات الدعم السريع.
لذلك إذا تم التوصل إلى وقف دائم لاطلاق النار في جدة، فسيكون من الصعب تنفيذه بدقة في كردفان، لأن النهب، وقطع الطريق أصبحا من “الحرف” الأساسية في ذلك الإقليم الذي بات معظم أهله بلا مورد رزق بسبب سياسة إقتصادية تقوم على تشجيع الإستثمار دون النظر لمصلحة المجتمعات المحلية. وهي سياسة لاتختلف عن السياسة التي أقرتها حكومة الفترة الانتقالية عقب الثورة. وبالتالي، فإن مفاوضات جدة، وكذلك، مشاورات أديس أبابا، إذا نجحت في إيقاف هذه الحرب، فإنها ستبذر بذور الحرب القادمة، مالم يتم إعتماد سياسة إقتصادية مختلفة، لأن صناعة السلام تحتاج توجهات تنموية منحازة لغمار الناس، أكثر من إنحيازها للإستثمارات المحلية والعربية والاجنبية. فالجنجويد لم يهبطوا من السماء، ولهم وجه آخر يأخذ ملامحه من غياب العدالة وإنتهاك الحق في العمل، وفي الحياة نفسها.