اخبارالسودانتقاريرسلايدر

“مقتل طبيبة على يد طليقها”: نداء للعدالة والحماية

الحرب لم تكتفِ بتمزيق المدن، بل تسللت إلى داخل البيوت والأصل في القانون هو حماية الأرواح قبل أن تُزهق، لا الاكتفاء بإحصائها بعد وقوع المأساة.

“مقتل طبيبة على يد طليقها”:  نداء للعدالة والحماية

الحرب لم تكتفِ بتمزيق المدن، بل تسللت إلى داخل البيوت والأصل في القانون هو حماية الأرواح قبل أن تُزهق، لا الاكتفاء بإحصائها بعد وقوع المأساة.

تقرير : مشاعر رمضان    خاص (سودانس ريبورترس) .… 22 أغسطس 2025

أثارت حادثة مقتل طبيبة سودانية على يد طليقها في مدينة مروي بالولاية الشمالية ردود افعال واسعة، إعتبرها كثيرون جريمة كان يمكن تفاديها لو تم التعامل بحزم ومسؤولية أكبر مع الاعتداءات السابقة التي تعرضت لها الفقيدة.

وطالب ناشطون بضرورة تشديد العقوبات على جرائم العنف الأسري، وحماية النساء من التهديدات المتكررة، خاصة عندما تكون هناك سوابق مسجلة ضد المعتدين.

وتعرضت الطبيبة، روعة علاء الدين عبد الحكم، لاعتداء وحشي من قبل طليقها خارج مستشفى الضمان بمروي، حيث سدد لها 16 طعنة بآلة حادة، مما أدى إلى وفاتها بعد محاولات لإنقاذها في قسم الطوارئ والعمليات الجراحية.

 إبلاغ الشرطة

ووفقا لبيان رسمي أصدره مستشفى الضمان بمروي، فإن الفقيدة كانت قد تعرضت في وقت سابق لاعتداء بالضرب على يد طليقها داخل سكن الطبيبات بالمدينة الطبية، الأمر الذي دفع إدارة المستشفى إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وإبلاغ الشرطة، رسمياً. القضية حينها وصلت إلى أروقة القضاء، لكنها، لم تُحسم بعد، لتتحوّل – في ما بعد – إلى مأساة أنهت حياة الطبيبة.

مطالبات عاجلة :

جهات كثيرة حقوقية وطبية، كما أصدرت بيانات دعت فيها إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في ملابسات الجريمة، والعمل على حماية سكن الأطباء من الاختراقات الأمنية، وإنشاء خط ساخن للتبليغ عن حالات العنف والتهديد.

 

العنف القائم على النوع:

وأعادت قضية الطبيبة روعة علاء الدين، إلى السطح نقاشاً متجدداً حول العنف الأسري وسلامة النساء العاملات، لا سيّما في المهن التي يفترض أن تتمتع ببيئة مهنية آمنة.

 

ويرى عدد من زملاء وزميلات الضحية، إضافة إلى المنظمات الحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني، أن هذه الجريمة يجب أن تكون نقطة تحوّل في التعاطي القانوني والمجتمعي مع مثل هذه التهديدات.

واعتبر ناشطون وناشطات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنه لا يمكن النظر إلى ما حدث بوصفه حادثاً معزولاً، بل، هو نتاج تراكم لمخاطر ظلّت تتجاهلها المؤسسات المعنية، وهو ما يدعو إلى إعادة النظر في منظومة حماية العاملين بالقطاع الصحي، خاصة الطبيبات المقيمات في سكن المستشفيات.

إحصائيات غائبة:

 

وبحسب المتابعات لا تتوفّر إحصاءات معلنة حول جرائم العنف الأسري، لكن، باحثين اجتماعيين حذروا  مما  يحدث… وأرجعت الباحثة الاجتماعية د. جميلة الجميعابي العنف إلى “تراكمات نفسية سابقة في داخل القاتل “المعنف”، أبرزها التربية والإحباطات العامة وانعدام الحوار بين أفراد الأسرة، وأضافت أنّ “من بين الأسباب كذلك، المشكلات المجتمعية والثقافية والاقتصادية”، وأشارت  إلى “وسائط جديدة تساهم في التنشئة الثقافية مثل المسلسلات والأفلام ووسائل الإعلام التي تعلّم الناس كيفية تنفيذ الجريمة، ولا تُركّز على طرق علاج المشكلات”.

وفي حين يحمّل كثيرون الظروف المعيشية مسؤولية العنف الأسري، رأت أنّ “النظرة المادية إلى العلاقات الأسرية طغت على النظرة المعنوية، بالتالي يكون التعليل بالظروف المعيشية”. وتُحدد جميلة الجميعابي”طرق معالجة المشكلات من خلال تعميم وسائل الإرشاد الأسري، وتأهيل كل فرد في الأسرة للمرحلة التي يقبل عليها، خصوصاً الأزواج”… وتشدد على “ضرورة الانتباه مبكراً إلى الانحرافات  السلوكية، والتشدد، والهوس الديني، وتعاطي المؤثرات العقلية”.

 نرجسية مقيتة :

وقالت الكاتبة الاعلامية رفيدة ياسين مع موجات العنف الأسري المتصاعدة ضد النساء عموماً وخاصة استهداف الناجحات منهن مؤخراً، لم يصبح المهم في اختيار الرجل الذي يصلح للزواج لا مال ولا جاه، ولا حتى شهادات، فأغلب الرجال المُعنفِّين للنساء ينجحون في الظهور داخل مجتمعاتنا بصورة مغايرة ومخادعة، ولا أبالغ حين أصفها بالمثالية أحياناً، وأضافت قد تصابون بالدهشة، وأنتم تسمعون أن الشخص الذي تبدو صورته ظاهرياً هادئ ومتدين وكريم ومُحِب وطيب وناجح، هو نفسه الذي يُعنّف زوجته نفسياً وجسدياً، وزادت “مُعنِّف النساء ينجح  في رسم صورة رائعة عن شخصيته لدى المجتمع”. ولا يختار للزواج إنسانة عادية، ولا ترضي غروره، إلا إمرأة ناجحة وجميلة وقوية ومستقلة، ليجد متعته في تحويل شخصيتها من خلال ألعابه النفسية، أو ما يسمونه في علم النفس فيعمل على انتقادها وعزلها، من دائرتها الاجتماعية  ويفرض سيطرته عليها.. وقالت هذا النوع يعرف بـ(النرجسي الخفي) هناك نساء قويات وقعن فرائس في لحظات (خَدَر) الحب الخرافي، لكنهن، سرعان ما يُقررن الاستفاقة والنجاة بمغادرة هذه العلاقات السامّة، غير أن باب الخروج حتما لن يكون سهلاً كباب الدخول، والتحرر من علاقات كهذه له فواتير باهظة. ففي ذات اللحظة التي يشعر فيها الرجل المُعنِّف أنه بدأ يفقد تأثيره، وأن ضحيته قد فهمت لعبته، وقررت أن تبعد عنه، يشعر بالخطر والغضب والضعف الشديد، وحينها سيُظهِر وجهه الأقبح على الإطلاق، ويمكن أن يتفاوت رد فعله من محاولة التشهير بسمعتها وعرضها، أو محاولة تقويض صلاحيتها، باتهامها بمرض نفسي في دائرة علاقاتهم المشتركة – تحديداً – حتى لا يصدقها أحد، إذا قررت أن تتكلم، ووقتها سيسبقها هو بتقمُّص دور “الضحية”، وسيظل يبكي حبه ويشكي قسوتها، وهو بشكل مسبق قد حصَّن نفسه بالصورة المثالية لشخص رائع وزوج مثالي كريم، وقد يدفع مثلاً تبرعاً سخياً لدعم إمرأة مريضة، أو أرملة غريبة، على مسمع ومرأى الناس، في مجتمعه، بينما في الحقيقة هو يتردد ويتلكأ في شراء لبن أطفاله وعلاج زوجته، وقد يدفع مبلغاً ضخماً لهدايا الأصدقاء وزملاء وأقارب، بينما هو في المقابل يعاقب زوجته التي طلبت الطلاق، بالامتناع عن دفع إيجار المنزل الذي يعيش فيه أبنائه، ويمتنع عن سداد فواتير الغاز والكهرباء والمياه، وهذه النماذج المريضة موجودة في مجتماعتنا.

 

 وقالت رفيدة إن أخطر أنواع النساء على الرجل المُعَنّف، هي المرأة التي لا تُلوى لها ذِراع، تلك الواعية القادرة على الاستغناء عنه تماماً، والتخلص من تأثيره، المُدرِكة ولو متأخراً لألعابه، ومهاراته في قلب الطاولة، وتمثيل دور الضحية، فقررت أن تغادره، وتواصل مشوار حياتها، وتستقل وتنجح. وهنا يكشر عن أنيابه ويستعر ويصبح هدفه الوحيد في الحياة تدميرها ومعاكستها، وممكن أن يصل حد القتل.

وكاجراء احترازي شددت رفيدة على ضرورة النظر للتنشئة التي جاء منها هذا الشخص، وتابعت فأغلب الرجال النرجسيين والمُعنِّفين كانوا ضحايا في الأصل لأم نرجسية، أو أم تخلَّت عنهم في صغرهم، وعاشوا طفولة قاسية، فيها كل أنواع التعنِّيف والحرمان والإهانة والذُل، وبالتالي كبروا ودواخلهم مُسمَّمة بالأحقاد (الخفية) تجاه معشر النساء، بصورة عامة، لأنهم لم يعيشوا أصلاً في أجواء أُسرية طبيعية، فيها استقرار، ولا عرفوا يوماً النمط السوي للعلاقات بين الجنسين، حيث ظلوا يكبرون ويتضخم معهم الجرح الصغير، من أم متسلطة ونرجسية، أو أخرى ضعيفة، لم يكن بمقدورها الدفاع عن نفسها أمام والده، إذا كان يعنفها نفسياً أو جسدياً، أو أم انفصلت عن زوجها، فاضطرت لترك أولادها، ولم تتحمَّل مسؤولية تربيتهم، وتعويضهم بالحب والحنان الكافيين، لإعداد رجال ونساء أسوياء للمجتمع.

 

 

تعديلات على المناهج

من جهته، دعا د. عوض محمد أحمد في دراسة أعدها إلى “وضع برنامج قومي متعدد التخصصات للتعامل مع هذه المشكلة، بهدف زيادة وعي الرأي العام والجهات ذات الصلة، حول حجم المشكلة، وتوفير الخدمات الطبية والدعم المعنوي والمادي، والعون القانوني للضحايا، كذلك، لا بدّ من إدخال تعديلات على مناهج الكليات الجامعية ذات الصلة بالمشكلة، مع إصدار دليل قومي للأطباء حول كيفية كشف ضحايا العنف الأسري والتعامل معهم”.. ويرى د. عوض أن العنف يرتبط بالشعور باليأس والإحباط… كذلك يربط العنف الأسري بالبطالة وإدمان الخمور والمخدّرات، بالإضافة إلى الإجهاد، والصعوبات المهنية والضغوط الحياتية.

حماية رسمية  

ومن جهته قال الكاتب والباحث غزالي آدم موسى لـ(سودانس ريبورترس) حين تُقتل طبيبة وسط الشارع، وأمام المستشفى، على يد زوجها المتطرف، ثم نكتشف أن هذا القاتل كان قد اعتدى عليها قبل أسبوع داخل المدينة الطبية، وفُتح بحقه بلاغ رسمي، دون أن تُحرّك أي جهة ساكناً، فأعلم أن الكارثة لم تبدأ عند لحظة الطعن، بل قبلها بأيام حين فُوّتت فرصة منع الجريمة… وأكد أن الأصل في القانون هو حماية الأرواح قبل أن تُزهق، لا الاكتفاء بإحصائها بعد وقوع المأساة.

وأضاف غزالي: “ما حدث في مروي، لم يكن خلافاً زوجياً عابراً، بل، جريمة إعدام علني، نفذها رجل، ينتمي إلى كتيبة متطرفة، طاعناً زوجته الطبيبة، أكثر من عشرة طعنات، أمام المستشفى، قبل أن يُنتزع من قبضة الغاضبين تحت حماية رسمية… واعتبر الحادثة بـ”غير المعزولة”، بل، هي مرآة مكبرة لوجه السودان اليوم، الذي تتآكل فيه الحواجز الأخلاقية، والقانونية، وتتبدد فيه فكرة أن حياة الفرد محمية بالقانون.

وفي تعليقه على البيان الصادر عن إدارة المستشفى، قال: “أنه كشف ما لا يمكن إنكاره”، وتابع، قبل أسبوع فقط من الجريمة، اعتدى القاتل على الطبيبة داخل حرم المدينة الطبية، وتم فتح بلاغ رسمي بحقه، دون أن تجرؤ أي جهة على توقيفه… وزاد، هذا التراخي لم يكن صدفة، بل كان رخصة قتلٍ مُنحت له ضمنياً، ولذلك، عاد ليطعنها أمام بوابة المستشفى، فالقاتل لم يكن يتحرك كمجرم يائس، بل كمن يعلم أن شبكته ستحميه من أي عاقبة، تماماً كما حدث بعد الجريمة.

ونبّه إلى أن الحرب لم تكتفِ بتمزيق المدن، بل تسللت إلى داخل البيوت… ورأى أن منطق السلاح، الذي يرى في الإقصاء الجسدي، حلّاً نهائياً صار يحكم العلاقات الخاصة.

وقال متحسراً حين يتشبع الدماغ لسنوات بلغة “استهداف الهدف، وتصفيته”، تصبح الزوجة في لحظة غضب، خصماً، يُمكن التخلص منه بالطريقة نفسها، التي يُقتل بها أسير أو يُصَفّى خصم سياسي.

ونبه إن الأخطر من الطعنات نفسها، كان مشهد الحماية التي وفرتها أجهزة أمنية وعسكرية، وهي تسارع لإنقاذ الجاني من العقاب الفوري، وكأن الرسالة موجهة لبقية المسلحين”افعلوه، لن يمسّكم سوء ما دمتم في الجهة الصحيحة من الولاء.”، مُضيفاً: “إنّها بيئة من الإفلات الممنهج من العقاب، وخطر مبرمج للعنف المستقبلي، فهي تقتل آخر رادع نفسي لدى القاتل، وتضمن أن تتكرر الجرائم بنفس الشكل مع ضحايا آخرين”.

وختم حديثه،  بأن تلك الجريمة، ليست حدثا فردياً، بل، هي نتيجة ثلاثية مميتة حصرها في حرب، أفرغت النفوس، من أي حصانة ضد العنف، وآيديولوجيا متطرفة تُشرعن القتل حتى ضد الأقربين، وغياب عدالة حقيقية، يجعل الجريمة فعلاً بلا ثمن.

 وقال: “روعة لم تُقتل لأنها كانت زوجة لرجل سيئ، أو مضطرب نفسياً، بل لأنها وجدت نفسها في بلد انهارت فيه القيم، وتمزّق فيه العقد الاجتماعي، وفقدت فيه الدولة قدرتها أو إرادتها على حماية أضعف مواطنيها”.

وقال إذا لم نتوقف – الآن – واليوم، قبل الغد، ونعكِس هذا المسار، فإن المدافع قد تصمت يوماً، لكن، الحرب ستظل تمشي بيننا، في شكل طعنات وغدر وقتل وسحل، في وضح النهار، وسيبقى الخروج من البيت في الصباح، مجرد رهان، لا حقّاً، مضمُوناً، على  الحق فى العودة الآمنة.

*الصور من الإنترنيت 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى