اخبارالسودانتقاريرسلايدر

الغابات في مهب الريح.. كيف أحرقت الحرب (رئة) السودان

الخبراء يشددون على ضرورة إدماج ملف البيئة في خطط الإعمار بعد الحرب، عبر برامج وطنية لإعادة تأهيل الغابات، وتوفير بدائل نظيفة للطاقة مثل المواقد المحسّنة وغاز الطهي

الغابات في مهب الريح.. كيف أحرقت الحرب (رئة) السودان

 الخبراء يشددون على ضرورة إدماج ملف البيئة في خطط الإعمار بعد الحرب، عبر برامج وطنية لإعادة تأهيل الغابات، وتوفير بدائل نظيفة للطاقة مثل المواقد المحسّنة وغاز الطهي

 

تقرير – حسيبة سليمان    خاص (سودانس ريبورترس) … 18 أغسطس 2025

في ظل استمرار النزاع المسلح في السودان منذ أبريل 2023، لم تقتصر تداعيات الحرب على الخسائر البشرية وانهيار البنى التحتية، بل امتدت لتشمل الغطاء الغابي في البلاد، أحد أبرز الموارد البيئية والاقتصادية التي يعتمد عليها ملايين المواطنين، لا سيما في المناطق الريفية والمهمّشة.

ففي العاصمة الخرطوم، تسببت العمليات العسكرية المستمرة والاضطرابات الأمنية في قطع ممنهج للأشجار، شمل أنواعا نادرة وأخرى مستخدمة لأغراض بحثية وتعليمية.. ووفق ما أكده المهندس الزراعي والمفتش السابق بغابات ولاية الخرطوم، عمار النزير، فإن الغابات الحضرية لم تسلم من التعدي، إذ قامت مجموعات مسلحة ترتدي زيّاً عسكرياً باستخدام مناشير آلية لقطع الأشجار، بما في ذلك، تلك الواقعة داخل مشتل سوبا، ومحطة أبحاث الغابات، وكلية الغابات.

وأشار النزير في حديثه لــ(سودانس ريبورترس) أن غابة السنط المحجوزة، والتي تبلغ مساحتها 1500 هكتار، على الضفة الشرقية للنيل الابيض، وتعتبر رئة ومحمية الطيور المهاجرة، تعرضت لاعتداء مباشر بعد أحداث ما يعرف بـ”تحرير الخرطوم”، ما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منها، رغم اتخاذ إجراءات إدارية شملت التواصل مع جهات عليا ومكتب الاستخبارات، إلا أن حجم الضغط على الموارد الطبيعية، الناتج عن النزوح الداخلي وشح مصادر الطاقة، فاقم من الأزمة البيئية.

دور محوري للغابات في دعم المجتمعات

من جانبه، أوضح عبد العظيم ميرغني، المدير الأسبق للغابات، أن الغطاء الغابي لطالما لعب دوراً محورياً في دعم سبل العيش للمجتمعات المحلية، سواء في أوقات الاستقرار أو أثناء فترات الطوارئ.. وأضاف أن الغابات تمثل مصدراً حيويًا للإيواء، ووقود الطهي، والعلاج التقليدي، والغذاء، سواء بشكل مباشر أو من خلال بيع منتجاتها.

وقدّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) مساهمة قطاع الغابات في الناتج المحلي بما يعادل نحو 692 مليون دولار سنوياً، منها 83 مليون دولار في مجال مواد البناء وحده.

وأشار ميرغني في حديثه لــ(سودانس ريبورترس) إلى أن معسكر الطنيدبة للاجئين في ولاية القضارف، وهو أحد أبرز المخيمات التي استقبلت نازحين من دول الجوار، يستهلك أكثر من عشرة آلاف متر مكعب من الأخشاب سنوياً، ما يعكس حجم الضغط الهائل على الغابات في ظل غياب بدائل مناسبة للطاقة.

تدمير واسع في دارفور وكردفان

وبحسب إفادات الخبير في شؤون الغابات، البروفيسور طلعت دفع الله عبد الماجد، فإن ولايتي دارفور وكردفان شهدتا تدهوراً واسعاً في غطائهما الشجري نتيجة الأعمال العسكرية المتكررة. وأوضح أن جنوب دارفور وحدها، فقدت أكثر من 15 ألف هكتار من الغابات خلال العقدين الماضيين، وهو رقم مرشح للارتفاع مع تزايد الاعتماد على الحطب في ظل غياب الكهرباء والغاز.

وأضاف عبد الماجد لــ(سودانس ريبورتس) أن تدفق النازحين إلى المدن الرئيسية، مثل نيالا، الأبيض، الفاشر، مدني، والخرطوم، أدى إلى تراجع ملحوظ في الغطاء الغابي حول تلك المناطق، نتيجة للاستهلاك المفرط وغير المنظّم للموارد الطبيعية.

وتعرضت كذلك البنية التحتية للقطاع البيئي لأضرار بالغة، شملت نهب مكاتب الغابات، وتخريب المشاتل، وسرقة الآليات الزراعية، كما تمّ نهب مخزونات الصمغ العربي في بعض المخازن، ما تسبب في توقف عمليات الإنتاج والتسويق، وأثر سلباً على مكانة السودان كمصدر عالمي رئيسي لهذه السلعة، في وقت بدأت فيه دول مجاورة مثل تشاد وبعيدة مثل نيجيريا محاولة سد هذا الفراغ في الأسواق.

المراكز البحثية لم تسلم من الدمار

وبحسب ما أفاد به البروفيسور طلعت عبد الماجد، فإن الحرب طالت كذلك المراكز البحثية البيئية، إذ تم تدمير الحديقة النباتية القومية بالمقرن، والتي كانت تضم عينات نادرة من الأشجار، وتستخدم في تدريب طلاب الجامعات والباحثين. كما تمت إزالة غابة السنط التاريخية، المحمية التابعة للهيئة القومية للغابات، والتي كانت تعد موئلاً للطيور، ومُتنفّساً طبيعياً لسكان الخرطوم.

وفي ولاية الجزيرة، طال الدمار غابات بانكيو والمناقل، والغابات المروية في عبد الماجد، التي يعود تاريخها إلى ثلاثينيات القرن الماضي، إلى جانب غابات في ولايتي سنار والنيل الأبيض.

التحذير من التصحر… ودعوات للحلول

حذر طلعت عبد الماجد من تسارع عمليات التصحر، لا سيما في مناطق جنوب كردفان، حيث بدأت الكثبان الرملية تغزو الأراضي الزراعية والسكنية.. واعتبر أن إزالة الأشجار بهذا النطاق الواسع يُهدد مصادر الرزق التقليدية، مع ما يصاحبه من شُح فى المياه، وانعدام المراعي، وتدهور سبل المعيشة.

ورغم قتامة الصورة، أشار عبد الماجد إلى أن بعض مظاهر “صمود الطبيعة” ظهرت في الأشجار التي بدأت تنبت من تحت الرماد، في مشهد يرمز، حسب وصفه، إلى “قدرة الطبيعة على البقاء رغم كل شيء”.

مبادرات مجتمعية لاستعادة الخضرة

برزت في الآونة الأخيرة مبادرات محلية ومجتمعية تسعى للتعافي البيئي، أبرزها حملات إعادة التشجير التي تقودها نساء من دارفور في مخيم “أدري” للاجئين، بشرق تشاد، من خلال زراعة شتول النيم.

كما تنشط مبادرات داخلية مثل: “بيتنا أخضر”، “الزريع السوداني”، “حركة السودان الأخضر”، وجمعية حماية البيئة، في التوعية بأهمية الغطاء النباتي، والتشجيع على الزراعة والتشجير.

توصيات بإدماج البيئة في خطط الإعمار

يشدد الخبراء على ضرورة إدماج ملف البيئة في خطط الإعمار بعد الحرب، وذلك عبر برامج وطنية لإعادة تأهيل الغابات، وتوفير بدائل نظيفة للطاقة مثل المواقد المحسّنة وغاز الطهي.

ويُوصى بالاستفادة من التقنيات الحديثة والمنهجيات التي استخدمتها منظمات الأمم المتحدة في تقييم الأضرار البيئية، كما حدث في تقييم ما بعد حرب 2007، وتقرير السودان البيئي لعام 2020، والدراسة الأخيرة لجمعية حماية البيئة، التي شملت أربع ولايات تأثرت بالحرب.

الصور من الإنترنيت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى