اخبارالسودانتقاريرسلايدر

تراث السودان في مواجهة الحرب والتحديات المناخية

حماية التراث تحتاج إلى استراتيجية مستدامة، تجمع بين الإجراءات الطارئة والمبادرات طويلة الأمد، لتدريب الكوادر المحلية، وتعزيز مشاركة المجتمع المدني

تراث السودان في مواجهة الحرب والتحديات المناخية

حماية التراث تحتاج إلى استراتيجية مستدامة، تجمع بين الإجراءات الطارئة والمبادرات طويلة الأمد، لتدريب الكوادر المحلية، وتعزيز مشاركة المجتمع المدني

تقرير: محمـد عبد الحفيظ    خاص (سودانس ريبورترس) … 17 أغسطس 2025

يواجه التراث الثقافي السوداني تهديدات مزدوجة نتيجة النزاع المسلح المستمر وتغير المناخ، مما أثر في الأهرامات والمواقع الأثرية والمتاحف والمباني التاريخية.

 وفي خطوة عاجلة، اليونسكو، أعلنت عن تنفيذ حزمة تدابير طارئة لحماية هذه المواقع، بالتعاون مع خبراء محليين.. ويؤكد الخبراء على خطورة الوضع، محذرين من فقدان أجزاء لا تُعوّض من ذاكرة السودان الثقافية، إذا لم تُتخذ إجراءات حماية عاجلة ومستدامة.

في 12 أغسطس 2025 الجاري، أعلن مركز التراث العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عن تنفيذ حزمة تدابير طارئة لحماية المواقع التراثية في السودان، في خطوة تهدف إلى مواجهة التأثيرات المتزايدة لتغير المناخ والصراع المسلح المستمر، خاصة الهجمات الأخيرة التي تشنها قوات الدعم السريع في مناطق متفرقة من البلاد في سياق الحرب بينها وبين الجيش السوداني.

وتأتي هذه الإجراءات ضمن برنامج المساعدة الدولية (3548)، الذي يركز على صون التراث العالمي والحفاظ عليه من المخاطر الطبيعية والبشرية على حد سواء

برنامج المساعدة الدولية، هو برنامج يركز على حماية التراث العالمي من المخاطر الطبيعية والبشرية.

ويهدف البرنامج إلى صون التراث العالمي والحفاظ عليه من خلال مجموعة من التدابير والإجراءات التي تتخذها اليونسكو والجهات المعنية الأخرى.

تعزيز حماية المواقع الأثرية

وبحسب وكالة السودان للأنباء، الثلاثاء، أوضح مدير مكتب الآثار الإقليمي لنهر النيل ومدير موقع التراث العالمي بجزيرة مروي، محمود سليمان محمد بشير، إن التدابير تركز على تعزيز حماية المواقع الأثرية وزيادة قدرتها على الصمود أمام التحديات المناخية والحربية.

وتشمل هذه المواقع أهرامات البجراوية والمدينة الملكية، اللذين يمثلان جزءاً من التراث الحضاري الفريد للسودان، ويشكلان موروثاً ثقافياً عالمياً.

وأضاف المسؤول السوداني أن الأنشطة الميدانية تتضمن إزالة الكثبان الرملية التي تهدد استقرار الأهرامات، بالإضافة إلى فتح مصارف مياه الأمطار لتفادي تجمع المياه التي قد تتسبب في تآكل الهياكل الأثرية.

 كما يشمل البرنامج تنظيف الغطاء النباتي الكثيف في المدينة الملكية بمروي، والذي قد يعيق جهود الحفاظ على المواقع، أو يسبب أضراراً للبنية التحتية للآثار.

وفي أبريل الماضي، أكدت اليونسكو، دعمها للسكان بعد مرور عامين على اندلاع النزاع في السودان، وذلك عبر اتخاذها تدابير ميدانية عاجلة في مجالات الثقافة والتعليم والإعلام.

وقالت إنها سوف تقوم – المنظمة – بوجه خاص بتنفيذ خطة وطنية لإنعاش نظام التعليم والنهوض بمكافحة الإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.

 وأشارت إلى أن هذه التدابير ليست استجابة عاجلة، بل جزء من استراتيجية إلى تطوير قدرات حماية المواقع الأثرية على المدى الطويل، بما في ذلك تدريب الكوادر المحلية على أساليب الصيانة والمراقبة المستمرة.

وفي البيان الذي نشره مكتب اليونسكو بالسودان، 12 أغسطس 2025، أكدت المنظمة أن التدخلات الطارئة تأتي في سياق زيادة تعرض التراث الثقافي في السودان للتهديدات المزدوجة مثل المناخ المتغير الذي أصبح يزيد مخاطر التعرية، وتدهور البنى الحجرية، والصراع المسلح الذي يفاقم الوضع، ويحد من قدرة السلطات على الحفاظ على المواقع التاريخية.

تأثير الحرب على التراث الثقافي

ويشهد السودان منذ عام 2023 سلسلة من الصراعات المسلحة التي طالت مناطق واسعة، بما في ذلك ولايات النيل الأبيض، والشمالية، ودارفور، وأسفرت عن نزوح جماعي، ودمار واسع للبنى التحتية.

ووثقت تقارير محلية ودولية، أن المواقع التراثية أصبحت أكثر عرضة للتلف بسبب غياب الرقابة المباشرة، ما دفع اليونسكو للتحرك بشكل عاجل لتفادي خسائر غير قابلة للاسترداد.

وفي السياق ذاته، فإن الأهرامات السودانية، بما فيها أهرامات البجراوية، تواجه تهديدات طبيعية متكررة مثل الرياح العاتية والكثبان الرملية المتحركة، والتي قد تؤدي إلى تغطية أو تآكل الهياكل الحجرية التاريخية. إضافة إلى ذلك، فإن الأمطار الغزيرة في بعض الفصول تُهدِّد استقرار المواقع إذا لم تُفتح المصارف بشكل دوري.

أهمية هذه التدابير للتراث العالمي

تمثل هذه المواقع جزءاً من التراث الثقافي العالمي، وتعتبر شاهداً على حضارة ممالك النوبة القديمة التي امتدت على طول نهر النيل.

وتلعب مثل هذه الإجراءات الطارئة دوراً مزدوجاً، الحفاظ على التاريخ، وتمكين المجتمعات المحلية من المشاركة في صون موروثها الثقافي.

وتؤكد اليونسكو أن هذه الجهود تأتي ضمن إطار التعاون الدولي، حيث يعتمد البرنامج على التمويل والدعم الفني من مؤسسات عالمية، إضافة إلى الشراكات مع خبراء الآثار السودانيين، لضمان تنفيذ العمليات الميدانية وفق المعايير العلمية العالمية.

خطة طويلة الأمد

رغم الطابع الطارئ للتدخلات الحالية، إلّا أن خطة اليونسكو تشمل برامج طويلة الأمد لتعزيز صمود المواقع التاريخية.

وتشمل هذه البرامج رصد التغيرات البيئية والجيولوجية، وتطبيق تقنيات صيانة حديثة، وتدريب فرق محلية قادرة على إدارة المواقع بشكل مستدام.

كما تركز الاستراتيجية على رفع الوعي بين السكان المحليين والزوار، بأهمية حماية التراث الثقافي والتعاون مع السلطات الوطنية للحفاظ عليه.

في مقاله المنشور بعنوان “ماذا حدث لتراث السودان بسبب الحرب؟”، يسلط الدكتور خالد عزب، الضوء على حجم الدمار الذي لحق بالتراث الثقافي السوداني نتيجة النزاع المسلح المستمر في البلاد.

ويشير عزب، في مقاله المنشور على موقع الجزيرة بتاريخ 15 سبتمبر 2024، إلى أن الحرب في السودان لم تترك شيئاً إلّا ودمرته، مشدداً على أن ما فقده السودان من تراثه الثقافي، لا يمكن تعويضه، سواء كان من آثار أو متاحف أو أرشيفات تاريخية.

ويضيف في نفس المقال أن الخرطوم فقدت أكثر من 33 ألف بناية، بما فيها مباني جامعة الخرطوم والقصر الرئاسي القديم، مؤكداً أن هذا يمثل خسارة كبيرة في تاريخ العمارة السودانية، ويؤثر في ذاكرة المدينة وهويتها الثقافية.

حول المتاحف، يقول عزب إن المتحف القومي السوداني، فقد جزءاً من المقتنيات والأرشيف، بينما فقد متحف التاريخ الطبيعي العديد من الحيوانات المُحنّطة النادرة، والسجلات العلمية المهمة.

ويشير إلى أن متحف الآلات الموسيقية دُمّر بالكامل، واختفت أو أُحرقت معظم مُقتنياته، بينما تعرّض متحف بيت الخليفة في أم درمان للتخريب والنهب، وفقد معظم محتوياته التي تؤرخ لحقبة المهدي وخليفته.

فيما يخص المواقع الأثرية، يؤكد عزب أن جزيرة مروي وأهراماتها ومدينة مروي الملكية تعرضت للتصحر وغطّتها الرمال، بينما تحوّلت مواقع مثل النقعة والمصورات إلى ساحات اشتباك بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما زاد خطر التخريب والنهب.

كما ذكر نبش أكثر من 50 مقبرة في جزيرة صاي شمال السودان، وهو دليل على تهديد التراث “الجنائزي” في البلاد.

ويخلص الدكتور عزب إلى أن استمرار النزاع دون تدخل عاجل، سيؤدي إلى مزيد من الخسائر للذاكرة الثقافية السودانية، محذراً من أن التراث قد يختفي، من دون إجراءات حماية عاجلة ومستدامة.

بين مخاطر الحرب والغياب المؤسسي الفاعل

يشير الدكتور أحمد حسين عبد الرحمن، في مقاله المنشور على مدونة (TRAFO) بتاريخ 15 أبريل 2025، إلى أن التراث الثقافي السوداني، يواجه تهديدات مزدوجة: الحرب المستمرة التي تؤدي إلى تدمير المواقع الأثرية، وتغير المناخ الذي يزيد التدهور البيئي لهذه المواقع.

ويضيف الدكتور عبد الرحمن أن غياب المؤسسات الفاعلة في حماية التراث يجعل مواجهة هذه التحديات صعبة للغاية، مشيراً إلى أن الكثير من المواقع التاريخية والثقافية، أصبحت غير مُراقبة، ومُعرّضة للنهب والتخريب.

ويؤكد الكاتب أن الدعم الدولي، والتعاون بين المؤسسات المحلية والدولية، أمر ضروري للحفاظ على التراث الثقافي السوداني، معرباً عن قلقه من أن استمرار النزاع، وغياب الرقابة، سيؤدي إلى فقدان أجزاء لا تُعوّض من التاريخ الثقافي للبلاد.

كما يوضح عبد الرحمن أن التراث السوداني، ليس مجرد آثار ماديّة، بل، يشمل أيضاً ذاكرة جماعية وتاريخية، مرتبطة بالهوية الوطنية، وبالتالي، فإن تدميره يترك أثراً نفسياً واجتماعياً على المجتمع (TRAFO).

ويُحذر الكاتب من أن حماية التراث تحتاج إلى استراتيجية مستدامة، تجمع بين الإجراءات الطارئة والمبادرات طويلة الأمد، لتدريب الكوادر المحلية، وتعزيز مشاركة المجتمع المدني، في صيانة المواقع التراثية، والحفاظ عليها.

الصور من الإنترنيت 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى