حرب السودان: تعتيم ممنهج وعزلة مفروضة
انتهاكات بلا رقيب… والمجتمع المدني يطالب بآليات دولية لكسر الحصار
تقرير: مديحه عبدالله – خاص (سودانس ريبورترس) … 12 أغسطس 2025
بينما يدخل النزاع المسلح في السودان شهره الخامس عشر، تتصاعد المخاوف من أن تتحوّل الحرب إلى أزمة منسية عالمياً، في ظل تعتيم إعلامي مُتعمّد، وتضييق مُمنهج على المنظمات الحقوقية والإنسانية، وغياب رد فعل دولي حاسم. فقد فرض طرفا الحرب عزلة قسرية على الداخل، لم تكتف بمنع المساعدات وعرقلة التحقيقات، بل، طالت الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وأغلقت كل نوافذ الشفافية والمساءلة. في المقابل، يطالب المجتمع المدني بكسر هذا الحصار عبر تفعيل الآليات الإقليمية والدولية، لضمان حماية الضحايا ومحاسبة الجناة.
أصدر المرصد السوداني لحقوق الإنسان تقريراً جديداً بعنوان (مدافعون بلا حماية) يوليو 2025، دعا فيه أطراف النزاع إلى الكف الفوري عن استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، وضمان حرية العمل الحقوقي دون قيود، والسماح بدخول بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان.
كما أوصى المرصد بتفعيل آليات المساءلة الدولية، بما في ذلك الإجراءات الخاصة التابعة لمجلس حقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية، واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
ويأتي هذا الاستهداف وانتهاك الحقوق وسط مطالبة من قبل القوى المدنية والسياسية والفاعلين/ات المدنيين للمجتمع الدولي بكسر الصمت حول ما يجري داخل السودان، ويصف بعضهم الحرب الدائرة الآن (بالحرب المنسية)… فما هي الأسباب وراء عدم الاهتمام بما يحدث في السودان؟ هل المجتمع الدولي لا يلقي بالاً للحرب؟ أم لأسباب ترجع إلى أطراف الحرب؟
القرارات والبعثات الدولية حول السودان
وفقاً للقرار الأممي 2525، تمّ تأسيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة في السودان، لتنفيذ مهام متعددة، من بينها: دعم تنفيذ اتفاق السلام، وعمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، ووقف إطلاق النار في دارفور والمنطقتين، وتحمل المسؤولية القانونية فيما يتصل بالعنف الجنسي والعدالة الانتقالية، وبناء السلام، وحماية المدنيين، وتعزيز سيادة القانون.
بدأت البعثة عملها في عام 2020، ودرجت على تقديم تقارير دورية مُنتظمة إلى مجلس الأمن الدولي، حول أوضاع حقوق الإنسان في السودان.
عقب انقلاب أكتوبر 2021، واجهت البعثة صعوبات، خاصة بعد محاولتها طرح مبادرة لتسهيل حوار بين السودانيين للخروج من الأزمة الناجمة عن الانقلاب، وُجّهت إلى رئيس البعثة، فولكر بيرتس، اتهامات بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وتطور الأمر إلى حد تهديده بالقتل من قبل مجموعات إسلامية في عام 2022. وأُنهي دور البعثة في ديسمبر 2023 بقرار من مجلس الأمن الدولي. إلا أنه في نوفمبر 2023، تم تعيين رمضان العمامرة مبعوثاً شخصياً للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، بهدف تسهيل الحوار بين الأطراف المتحاربة والوصول إلى حل سلمي للصراع.
ونتيجة لتفاقم الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، بعد اندلاع الحرب، قرر مجلس حقوق الإنسان في نوفمبر 2023، إنشاء بعثة دولية مستقلة، لتقصي الحقائق في السودان، بهدف إثبات الانتهاكات التي وقعت في سياق الحرب، بما في ذلك تلك المرتكبة ضد اللاجئين، وتحديد هوية مرتكبيها بغية ضمان محاسبة المسؤولين عنها.
كما كُلِّفت البعثة بتقديم توصيات بشأن تدابير المساءلة، بهدف وضع حد للإفلات من العقاب ومعالجة أسبابه الجذرية، وضمان تحقيق العدالة، بما في ذلك، عند الاقتضاء، تحميل الأفراد المسؤولية الجنائية، وضمان وصول الضحايا إلى العدالة. وفق ما ورد في القرار.
دعت البعثة كذلك إلى توسيع نطاق ولاية المحكمة الجنائية الدولية ليشمل كافة أراضي السودان، ونشر قوة لحفظ السلام لحماية المدنيين.
وثقت البعثة مختلف أشكال الانتهاكات، ووصفت بعضها بأنها ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كما دعت، في يونيو، 2025، المجتمع الدولي إلى فرض حظر على الأسلحة، وضمان مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. إلا أن الحكومة السودانية كانت قد رفضت توصيات البعثة في سبتمبر 2024، ووصفت تقريرها بأنه يفتقر إلى المهنية والاستقلالية.
وظلّت المؤسسات الدولية تواجه عقبات للقيام بعملها في السودان بسبب العوائق البيروقراطية والأمنية وتهالك البنيات التحتية، خاصة العاملة في مجال تقديم المساعدات الإنسانية من قبل طرفي الحرب اللذين تقاسمان مناطق السيطرة والنفوذ، كما صدر قرار من سلطة بورتسودان بتجميد عضوية السودان في الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيقاد) في يناير 2024، وجاء في حيثيات القرار أنه صدر بسبب تجاهل المنظمة لقرار السودان الذي نقل إليها رسمياً بوقف انخراطه وتجميد تعامله معها في أي موضوعات تخص الوضع الراهن في السودان.
تعتيم إعلامي وتضليل الرأي العام
من الناحية الإعلامية واجهت الصحافة المستقلة تحدياتٍ جمةٍ هددت وجودها ودورها في المجتمع.. وأدت الحرب إلى إغلاق العديد من المؤسسات الإعلامية، وتعطيل عمل الصحفيين، وانتشار المعلومات المضللة والمغلوطة، والدعاية الحرب.
وتعرّضت وسائل الإعلام المستقلة إلى شلل شبه تام، خاصة تلك التي كانت تعمل في مناطق الاشتباكات. كما تعرّض الصحفيون والصحفيات لمضايقات وتقييد في الحركة، وبلغ العنف ضد بعضهم حدّ التصفية الجسدية.
وبعد مرور 14 شهراً على اندلاع الحرب، فقد سبعة صحفيين أرواحهم على يد قوات الدعم السريع، وتعرّض عدد كبير منهم للاعتقال والملاحقة من قِبل الأجهزة الأمنية التابعة لأطراف الحرب، مما أجبر كثيرين على اللجوء إلى دول الجوار أو ترك المهنة.
واستغلّ متطرفو الحرب هذا الفراغ الإعلامي بإنشاء منصات دعائية تدعو إلى التحشيد للقتال، وتبث الأخبار المضللة وخطاب الكراهية والعنصرية.
وعلى مستوى وسائل الإعلام الإقليمية أصدرت وزارة الثقافة والإعلام أبريل 2024، قراراً قضى بإغلاق مكاتب قنوات (الحدث سكاي نيوز العربية) في السودان، بحجة عدم الإلتزام بمطلوبات المهنة، ولم تجدد تراخيصها السنوية لممارسة العملية السودان، كما تم حظر عمل قناة الشرق فبراير 2025، بحجة نشر معلومات وأخبار غير صحيحة، إلى أن سُمح لاحقاً لهاتين القناتين بممارسة العمل الإعلامي في السودان مرة أخرى.
وضع العراقيل خوفاً من الإدانة
وفي تعليق على القيود المفروضة على العمل الحقوقي والإنساني في السودان، قال شوقي يعقوب آدم، وهو مدافع عن حقوق الإنسان، لـ(سودانس ريبورترس)، إن أطراف الحرب تضع عراقيل أمام رصد وكشف الانتهاكات ضد المدنيين، وتفرض قيوداً على عمل المنظمات وغرف الطوارئ، “وهذا ديدن كل منتهكي حقوق الإنسان، حتى لا تتم إدانتهم من قبل المجتمع الدولي”.
وأضاف أن “تلك القيود بلا شك تؤثر في جهود إحلال السلام، وتقلل من الضغوط على أطراف الحرب لوقفها ووقف الانتهاكات”.
وأكد بقوله: “لمواجهة هذه القيود، يقع العبء على المجتمع المدني للعمل على ممارسة كل أشكال الضغوط لوقف الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، وابتداع آليات لحماية المدنيين ومناصرة ضحايا الانتهاكات عبر الآليات الإقليمية والدولية”.
وبينما يشتد الخناق على الحقيقة، ويُقمع الصوت المستقل، يبقى كسر دائرة الإفلات من العقاب مرهوناً بقدرة المجتمع المدني على الضغط، وباستجابة جادة من المجتمع الدولي لإنهاء العزلة، والانتصار للضحايا.
*الصور من الإنترنيت




