“الخريف والحرب”: تحديات بيئية متفاقمة في السودان … هل تصمد مجهودات تعزيز الوضع الصحي، أم أن خريف عام 2025، سيزيد (الطين بلة)؟!.
النظام الصحي في السودان، شهد انهياراً شبه كامل، جراء حرب أبريل 2023
تقرير: مشاعر رمضان خاص (سودانس ريبورترس) … 15 يوليو 2025
في الوقت الذي يعاني فيه السودان من انهيار شبه كامل في القطاع الصحي، توقعت الهيئة العامة للارصاد الجوية، زيادة هطول الأمطار، فوق المعدلات المناخية في عدد من الولايات، للفترة من يونيو إلى سبتمبر 2025 – بحسب تقرير لها – هذه التوقعاتُ، صدقت بهطول أمطار، بمعدلات عالية، بكلٍّ من ولايات الخرطوم، والقضارف، وكسلا، والنيل الأبيض، لكن، مصابها، لا ياتي فرادا، بل متشابكاً مع الأزمات الصحية، والاقتصادية، فى واقع تسوده هشاشة البنية التحتية، فما بالك، وخريف هذا العام، يأتي، والحرب في عامها الثالث، حيث يُكافح الناس من أجل البقاء، على قيد الحياة، وتتفكك أنظمة الإدارة البيئية أمام أعين الجميع.
وبحسب تقريرالارصاد الجوية، تشير النماذج الإحصائية، والعددية المعتمدة على بيانات الأقمار الاصطناعية، ومحطات القياس الأرضية، إلى فُرص هطول أمطار أعلى من المعدلات المناخية المعتمدة، على متوسطات الفترة من 1990 إلى 2020، بنسبة تتراوح بين 60%، و80% في عدة مناطق، منها: جنوب البحر الأحمر، نهر النيل، الشمالية، كسلا، القضارف، سنار، الخرطوم، الجزيرة، النيل الأبيض، شمال كردفان، ومعظم مناطق إقليم دارفور.
في كل موسم أمطار في السودان، تتحول المياه الملوثة إلى مصدر للأوبئة القاتلة. ووفقاً لتقارير صادرة من الهلال الأحمر السوداني، واللجنة القومية لطؤاري الخريف، للأعوام 2020، و2021، و2022، فقد أسفرت فيضانات السودان، عن وفاة مئات الأشخاص، نتيجة الغرق، وأمراضٍ نشأت عن تلوث المياه، مثل الكوليرا، والتيفويد، والحميات.
الحرب أقعدت النظام الصحي
قالت رئيسة اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، د. هبة عمر في تصريحات صحفية، أن النظام الصحي في السودان، شهد انهياراً شبه كامل، جراء حرب أبريل 2023. وأكدت تفشي أمراض خطيرة مثل الدرن، الإيدز، والكوليرا، إلى جانب انتشار لدغات العقارب، والثعابين، التي حصدت أرواح العديد من المواطنين، وأضافت أن حوالي ١١مليون طفلاً مهددون بالموت جوعاً، من سوء التغذية الحاد، مع تسجيل وفاة طفل كل ساعتين في معسكرات النازحين.
وبحسب د. هبة، فقد توقفت 80% من المرافق الصحية عن العمل، وتعرض أكثر من 60 مرفقاً للتدمير، أو القصف، فضلاً عن فقدان ٢٢٢ كادر صحي، ماتوا، وهم يؤدون عملهم، وتعرض الأطباء للاعتقال، مع هجرة كبيرة لهم ، والعيش في ظروف قاسية، وأوضاع متردية.
هذا الانهيار الفادح أثر على حوالي 15 مليون سوداني، باتوا يفتقرون إلى أبسط أنواع الرعاية الصحية، مع نقصٍ شديد في الأدوية الأساسية، مثل المضادات الحيوية، وأدوية الأمراض المزمنة والمحاليل الوريدية. ونبهت د.هبة إلى أن الوضع الحالي، يحتاج لنداء إنساني عاجل من السودانيين أنفسهم، وتوفير الموارد المالية، والكوادر المساعدة، وفتح الممرات الانسانية، والتنسيق مع الإعلام.
الوضع البيئي
من جهته، أكد الخبير البيئي، د.بشرى حامد، التناسب الطردي مابين ارتفاع حدة الصراعات، أو الحروب بأشكالها المختلفة، وتفاقُم الأزمات، والآثار المتوقعة للحروب والنزاعات المسلحة، على البيئة، والهجرة القسرية، و نزوح السكان، والذي يُسبب التلوُّث بالضغط على الموارد الطبيعية، من مياه، واستخدام مباشر للغطاء النباتي، في الاحتطاب، كوقود، وفي البناء، بجانب تلوث المياه، سواء كانت السطحية، أو الجوفية، إذ تتأثر سلباً بالصراعات، ممّا قد يؤدي إلى انتشار الأمراض والوبائيات المختلفة، مثل الكوليرا، وغيرها، نتيجة لعدم توفر المياه الصالحة للشرب، ولعدم امكانية توفير ذلك، لأسباب مختلفة.
ولفت د. بشرى لتعطُّل طرق معالجة وجمع النفايات، بسبب تدمير منشآت وآليات إدارة النفايات الصلبة، والنفايات الطبية، بسبب الحرب، ممّا زاد من تراكم النفايات، وزيادة معدلات التلوث، وانتشار الأمراض الخطيرة، وأضاف قائلاً ” إن أكثر أوجه الدمار كان بولاية الخرطوم، حيث تم تدمير، وتخريب، منظومة الصرف الصحي، ومياه الشرب، بولاية الخرطوم، الأمر الذي يُشكّل خطراً كبيراً على البيئة والصحة، وهناك، تدمير المشارح، وتحلُّل الجُثث، وانتشار الكلاب الضالة. مُضافاً إلى انتشار الحشائش، والحشرات، والقوارض، والثعابين، والعقارب… فضلاً عن ازدياد مُعدلات التلوُّث، بما في ذلك المخلفات الخطرة المختلفة”.
استعدادات شعبية ورسمية
وبحسب اجتماع مركز عمليات الطوارئ الإتحادي – والذي اُستعرض فيه جملة من التقارير الدورية – أعلن الاستعداد لخريف 2025، بإعداد الخطة القومية، وتحديث فُرق الاستجابة في 16 ولاية، بجانب توفير المعينات، وتوفير الإمداد من الصحة العالمية، واليونسيف.
وأشار تقرير صحة البيئة والرقابة على الأغذية، إلى مكافحة النواقل، وتفتيش 32008، محل للأغذية، من المستهدف 31146 محل بنسبة 103٪، ومراجعة التراخيص، بعدد من الولايات، منوِّهاً إلى تدخلات في عدد من الولايات بالتعاون مع منظمات.
وقطع تقرير تعزيز الصحة، بتنفيذ الزيارات المنزلية بنسبة 99٪، بالإضافة إلى التدخلات المجتمعية، وحلقات النقاش، والمحاضرات، والإعلام الجوّال، والرسائل المحتلفة، بأجهزة الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي.
ونوه تقرير الإمدادات، إلى التباين في وفرة أدوية، ومستهلكات الوبائيات، بمخازن صندوق الإمدادات بالولايات، أعلاها بشمال كردفان 78٪، البحر الأحمر71٪، من 56 صنفاً.وكذلك، التباين في وفرة المحاليل للكوليرا، وحمى الضنك. بجانب تلك الخاصة بطوارئ الخريف، من اليونسيف والصحة العالمية. كما أورد تقرير المعمل القومي للصحة العامة، العينات المفحوصة، وموقف توفر المعامل بالولايات. ولفت تقرير الحجر الصحي، عن وصول 14732، شخصاً للبلاد، ومغادرة 10509 شخصاً، في حين عاد من إيران 28 شخصاً، وتردّد على عيادات الطوارئ 813 شخص.
وأكد اجتماع مركز عمليات الطوارئ الاتحادي، برئاسة وزارة الصحة الاتحادية، بالخرطوم، عن الانحسار الكبير لوباء الكوليرا بولاية الخرطوم، عقب التدخُّلات، فيما لا زال التسجيل مستمراً، ورصد عدد من المحليات، ببعض الولايات، ومنها شرق الجزيرة، بليل، تندلتي، الجبلين، الضعين، شيكان، مُعلناً تسجيل 730 إصابة، منها 6 حالات وفاة، خلال الإسبوع الوبائي رقم 25، من 21 إلى 27 يونيو 2025.
وكشف تقرير الرصد خلال الاجتماع بمقر المركز، عن تسجيل 101 إصابة بالحصبة، في 8 محليات بالبلاد، في اسبوع، وأغلبها من محليات طويلة، تندلتي، أبوحمد، الكاملين، حمرة الشيخ، وريفي خشم القربة، في حين بلغت الإصابات بالسحائي تراكمياً 186 إصابة، ومنها 15 حالة وفاة، من 7 ولايات، وبينها 64٪ مسجلة بولاية الجزيرة… وقدمت إدارات الطوارئ بعدد من الولايات، تقاريرها عن الأوضاع الصحية،وتقريرا لنظم المعلومات الجغرافية.
وفي ذات السياق وجه وكيل وزارة الصحة الاتحادية د. هيثم محمد إبراهيم، بالمتابعة الدقيقة لاوضاع العائدين من دولة جنوب السودان، وإغلاق بؤر الوبائيات خاصة الكوليرا، وتحديد مواقيت أنشطة طوارئ الخريف.
حملات إصحاح البيئة ومكافحة النواقل
في ولاية كسلا انطلقت الحملة القومية لتوزيع الناموسيات المُشبّعة لعام 2025، بالتعاون مع وزارة الصحة الاتحادية، بوضع الترتيبات الفنية والإدارية، لانطلاق الحملة القومية لتوزيع الناموسيات المُشبّعة، التي تهدف إلى مكافحة نواقل الأمراض، والحد من انتشار الملاريا.
اما صحة الخرطوم تفقد اطلقت حملة لمكافحة النواقل، بولاية الخرطوم، من مركز صحي القوز، وتواصل كل من ولايتي القضارف، وسنار، في عمليات التطعيم، ضد الكوليرا، ومحاربة الناقل …. فهل تصمد هذه المجهودات، أم أن خريف عام 2025، سيزيد (الطين بلة)؟!.
*الصور من الإنترنيت




