السودانتقاريرتقاريرسلايدر

السودان فى قلب المجاعة.. مئات الأطفال يموتون وجوع كارثي يفتك بالملايين

أبرز العراقيل أمام عمليات الغوث حالياً تشمل الفساد، وتعقيدات التنسيق البيروقراطي، وتسييس الملف الإنساني

السودان فى قلب المجاعة.. مئات الأطفال يموتون وجوع كارثي يفتك بالملايين

أبرز العراقيل أمام عمليات الغوث حالياً تشمل الفساد، وتعقيدات التنسيق البيروقراطي، وتسييس الملف الإنساني

 

تقرير: محمـد عبد الحفيظ – خاص (سودانس ريبورترس) … 9 يوليو 2025

في ظل حرب طاحنة وانهيار متسارع لمنظومة الغذاء، لم يعد الجوع في السودان خطراً مستقبلياً، بل واقعاً يومياً بات يُهدد حياة الملايين. تتجلى هذه المأساة بوضوح في مدينة الفاشر، حيث تُوفِّي مئات الأطفال جوعاً ومرضاً، وفي مخيمات اللاجئين بدول الجوار، حيث يعيش البعض على أقل من 500 سعرة حرارية يومياً. وبينما تصدر منظمات دولية، مثل برنامج الأغذية العالمي، تحذيرات متكررة، وأرقاماً صادمة، يؤكد خبراء أن ما يحدث ليس مجرد أزمة إنسانية، بل مجاعة مصنوعة بفعل الحرب التي عطّلت الزراعة، وقطعت الإمدادات، وعزلت المدنيين، عن مصادر الغذاء.

ويواجه المدنيون في السودان، لا سيما في المناطق المنكوبة مثل دارفور والجزيرة، وضعاً إنسانياً حرجاً، بلغ مرحلة المجاعة الفعلية، متجاوزاً مراحل التحذير. وتكشف الإفادات الميدانية عن أسباب مباشرة ومعقّدة، تبدأ بالحرب التي عطّلت الإنتاج الزراعي وقطعت سلاسل الإمداد، ولا تنتهي عند العجز الدولي في التمويل، أو العراقيل الأمنية والسياسية، التي تخنق جهود الإغاثة. في ما يلي أبرز ما جاء على لسان خبراء ومصادر إنسانية تعمل على الأرض.

حذّر (برنامج الأغذية العالمي) من تدهور الأوضاع الإنسانية لملايين اللاجئين السودانيين الفارّين إلى دول الجوار، بسبب نقص حاد في التمويل أدى إلى تخفيضات كبيرة في المساعدات الغذائية المنقذة للحياة.

وذكر البرنامج، أن أكثر من أربعة ملايين شخص فرّوا منذ أبريل 2023، إلى سبع دول مجاورة، غالباً في أوضاع من الهشاشة وسوء التغذية.

وأشار البيان إلى أن المساعدات المقدّمة في دول مثل مصر، وإثيوبيا، وليبيا، وأفريقيا الوسطى قد تتوقف خلال الأشهر المقبلة، ما لم تصل مساهمات إضافية. أما في يوغندا، فيعيش العديد من اللاجئين على أقل من ربع احتياجاتهم الغذائية اليومية، بينما تواجه تشاد ضغوطاً متزايدة، مع استضافتها رُبع العدد الإجمالي للنازحين.

وأكد البرنامج، أن الأطفال من بين الفئات الأكثر تضرراً، إذ تجاوزت معدلات سوء التغذية الحاد عتبة الطوارئ في بعض مراكز الاستقبال. ويحتاج البرنامج إلى أكثر من 200 مليون دولار للاستجابة للاجئين في دول الجوار، خلال الأشهر الستة المقبلة، إضافة إلى 575 مليون دولار لتنفيذ عملياته داخل السودان.

وفيما وصف الوضع بـ”أزمة إقليمية كاملة الأبعاد”، دعا البرنامج، إلى تحرك سياسي ودبلوماسي عاجل لإنهاء النزاع، ووقف موجات النزوح المتواصلة.

وبحسب تصنيف “مراحل الأمن الغذائي المتكامل”، يعاني 24.6 مليون شخص في السودان من انعدام حاد في الأمن الغذائي، أي ما يقارب نصف عدد السكان. ويرجع ذلك إلى ارتفاع أسعار السوق، وتراجع الزراعة، وتقييد وصول المساعدات.

وتسببت المعارك التي تعصف بالسودان منذ أبريل 2023، في نزوح أكثر من 13 مليون شخص، هربوا من العنف والجوع، منهم أربعة ملايين في دول الجوار.

في الأول من  يوليو 2025 حذّر (برنامج الأغذية العالمي) من أن المساعدات الغذائية للاجئين السودانيين في أربع دول – جمهورية أفريقيا الوسطى، مصر، إثيوبيا، وليبيا – قد تتوقف خلال شهرين، لعدم توفر التمويل، محذراً من تفاقم الجوع الحاد.

داخل البلاد، فإن نحو نصف سكان السودان (بنحو 24.6 مليون شخص) يعانون من انعدام أمني غذائي حاد، بينهم 637,000 معرضون لمستوى المجاعة (IPC Phase 5)، وفق بيانات من اللجنة الدولية لتصنيف الأمن الغذائي الصادر في ديسمبر 2024، وتمّ تأكيد هذه الأرقام في تقارير حديثة.

وأعلن (برنامج الأغذية العالمي) في أبريل الماضي، انخفاض تمويل المانحين لعام 2025، بنسبة 40%، مقارنة بالعام الماضي، بينما حصل (مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية)، حتى الآن على 14.4% فقط من التمويل المطلوب لبرنامج المساعدات في السودان.

تقارير في يوغندا وأفريقيا الوسطى وتشاد تشير إلى معيشة بعض اللاجئين بأقل من 500 سعرة حرارية يومياً، وخطر تقليص الحصص الغذائية، في ظل وصول موارد التمويل لحافة الانهيار.

أمام مجلس الأمن  قال أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، في 28 أكتوبر 2024، أن الشعب السوداني يواجه أيضا كابوس الجوع، حيث يعاني أكثر من 750 ألف شخص من انعدام كارثي للأمن الغذائي، مع ترسخ ظروف المجاعة في مواقع النزوح، شمال دارفور، فيما يكافح الملايين كل يوم لإطعام أنفسهم.

مجاعة بفعل الحرب

قال خالد محمد طه، المسؤول الإعلامي لـ(تجمع الأجسام المطلبية “تام”)، إن وصول أكثر من 750 ألف شخص في السودان، إلى حالة الجوع الكارثي (المرحلة الخامسة بحسب تصنيف انعدام الأمن الغذائي) يعكس انهياراً شاملاً في منظومة الأمن الغذائي بالبلاد، واصفاً الوضع بأنه “مجاعة مصنوعة بفعل الحرب، لا مجاعة طبيعية”.

وأوضح طه  لـ(سودانس ريبورترس) أن الحرب التي اندلعت منتصف أبريل 2023، دمّرت سلاسل الإنتاج والتوزيع، وأخرجت مناطق زراعية كبرى، عن الخدمة، فيما أدت إلى توقف الأسواق، وعزلت ملايين السودانيين، عن مصادر الغذاء. وأشار إلى أن تفاقم المعارك والنزوح الحاد، يمنعان وصول المساعدات الإنسانية، مما يفاقم الأزمة.

وأضاف أن أكثر المناطق تضرراً تشمل ولايات الجزيرة، ودارفور، وكردفان، وسنار، والنيل الأبيض، إلى جانب أجزاء من الخرطوم. كما بدأت الأزمة في التمدد نحو ولايات الشمالية، وشرق السودان، نتيجة للنزوح وضغط الموارد. وحذّر من أن معدلات سوء التغذية الحاد لدى الأطفال والنساء تسجّل ارتفاعاً غير مسبوق، ما ينذر، بحسب تعبيره، بـ”كارثة متعددة الأجيال في كل السودان”.

وفي ما يتصل بمستوى الاستجابة الإنسانية، اعتبر طه أن التمويل الدولي لخطة الاستجابة “أقل بكثير من المطلوب”، موضحاً أن النسبة لم تتجاوز 20%، رغم الحاجة العاجلة. وأكد أن النزاعات المسلحة، وانتشار السلاح على الأرض، تعيق جهود الإغاثة، في ظل تراجع الاهتمام الدولي سياسياً وإعلامياً بحرب السودان. وأردف أن المدنيين – اليوم – عالقون بين “تجاهل المجتمع الدولي، وتواطؤ أطراف محلية مسلحة” تعرقل المساعدات، على حد وصفه.

وعلى الرغم من سوء الوضع الغذائي في السودان، فإن الاستجابة الإنسانية في السودان حتى الآن تُعد “ضعيفة وتعمل بالقطاعي” وفقا للخبير والاستشاري المستقل في العمل الإنساني، صلاح الأمين.

ويشير صلاح الأمين في حديثه لـ(سودانس ريبورترس) إلى غياب استراتيجية شاملة، ومتفق عليها بين الأطراف المتقاتلة، والمجتمع الدولي، والمجموعات المحلية.

وأضاف أن تعقيد الوضع الإنساني تفاقم نتيجة الاستقطاب الحاد، والخلط المتعمد بين الملف الإنساني والملفين الأمني والسياسي، إلى جانب الفساد والبيروقراطية، داخل منظومة الغوث، رغم المبادرات المحلية التي تقودها غرف الطوارئ، والتكايا، والمطابخ المركزية، وغيرها من التشكيلات المجتمعية.

وأكد الأمين أن أكثر من 17 منطقة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وصلت بالفعل إلى مرحلة “المجاعة التامة” (IPC5)، وهي آخر مرحلة في تصنيف انعدام الأمن الغذائي حسب التعريفات الدولية المعتمدة.

وفي ما يتصل بالتحديات الميدانية، أوضح الخبير المستقل صلاح الأمين، أن أبرز العراقيل أمام عمليات الغوث حالياً تشمل الفساد، وتعقيدات التنسيق البيروقراطي، وتسييس الملف الإنساني، إلى جانب الأثر السلبي لساسات وقرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تجفيف المعونة الأمريكية، التي كانت تشكل نحو 80% من مجمل المنح الإنسانية المقدّمة للسودان.

استجابة فعالة

وبشأن التدخلات الممكنة في المدى القريب، شدد صلاحة الأمين على ضرورة إطلاق عملية إنسانية شاملة ومتفق عليها تقودها جهة ذات نفوذ على كل الأطراف، إلى جانب استجابة فعالة من المانحين الدوليين. كما دعا إلى تعاون إقليمي عبر فتح المعابر مع دول الجوار مثل تشاد، وجنوب السودان، ومصر، وإنشاء ممرات إنسانية آمنة، فضلاً عن ضرورة دعم الشبكات المجتمعية المحلية التي ظلت تقدم المساعدات بموارد محدودة منذ بداية الحرب.

تُظهر الوقائع على الأرض أن السودان يواجه واحدة من أسوأ أزماته الغذائية في تاريخه الحديث، بفعل الحرب وتراجع التمويل الدولي وتعقيد الأوضاع الأمنية… المدنيون، وخاصة الأطفال والنساء، يدفعون الثمن الأكبر، في وقت تتأخر فيه الاستجابة الإنسانية. ما لم يتحرك المجتمع الدولي بجدية، فإن الأزمة مرشحة لمزيد من التدهور في الأشهر المقبلة.

الصورة من الإنترنيت (موقع الأمم المتحدة) 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى