المُعدِّنون ضحايا النزاع: بينما يدور الصراع حول الذهب وفوائده … ماذا عن اوضاع وحقوق المعدنين التقليديين؟
الشركات والسلطات والقوانين تغُض الطرف عن حمايتهم وتعويضهم عن الخسائر و المعدنون الأطفال يتعرضون للاستغلال الاقتصادى والجنسي
تقرير: مديحه عبدالله – خاص: (سودانس ريبورترس) … 6 يوليو 2025
أعادت الحوادث الأخيرة التى وقعت فى عدد من مناجم التعدين عن الذهب، أواخر يونيو المنصرم (2025)، مثل انهيار منجم هويد بين هيا وعطبرة الذى خلف قرابة (50) قتيلاً وجريح، والتهجير القسرى للمعدنين العاملين فى منجم (جيمس – بمحلية دلقو) وهدم أسواق ومحال تجارية يعمل فيها أكثر من (9 ) ألف معدن تقليدى منذ أكثر من 15 عاما (دبنقا 1/7/2025)…
أعادت إلى الوادهة، قضية حياة وأوضاع المعدنيين فى مناجم التنقيب عن الذهب، فى مختلف مناطق السودان، وبينما يدور الصراع حول إنتاج الذهب، وما يدره من موارد ضخمة على السلطة، وعلى أطراف الحرب، ولورادتها، يعيش المُعدِّنون فى اوضاع قاسية، غير إنسانية، بما يشبه السُخرة.
وهى حوادث تقع فى مختلف مناطق السودان، حيث شهدت ولاية جنوب كردفان، انهيار بئر تنقيب عن الذهب، أودى بحياة (17 ) شخصاً (سودان تربيون 6 سبتمبر 2022)، وقُتل (14) مُعدِّناً فى انهيار منجم قرب وادى حلفا ( صحيفة الديمقراطى 1/4/2023)، ذلك على سبيل المثال لا الحصر.
رغم تلك الحوادث المؤلمة، لم تعر السلطات اهتماما لحماية المعدنيين التقليديين، الذين يبلغ عددهم أكثر من مليوني مُعدِّن تقليدي فى (13) ولاية، بينما يبلغ عدد أسواق التعدين (73) سوقاً (الراكوبة 29 أغسطس 2021)، وينتج قطاع التعدين التقليدي نحو 80% من إنتاج الذهب فى السودان.
أين موقع حياة وحماية المعدنين فى القوانين؟
فى القانون الدولي، لايوجد نص محدد يتحدث عن حقوق المعدنيين، بشكلٍ واضح، وتكاد القوانين السودانية التى تحكُم وتُنظم قطاع التعدين، تخلو من أحكام خاصة بحقوقهم وحمايتهم، فهى تُركز على كيفية تنفيذ الاستثمارات، وحدودها، والتراخيص الخاصة بالعمل، وللمفارقة، نجد قانون تنمية الثروة المعدنية لسنة 2015، ينص على عقوبات على المُعدِّنين، فى حالة عدم حصولهم على تراخيص عمل، مما أثار غضب بعض نواب البرلمان، الذين حذّروا من مغبّة أن يُحوِّل القانون نحو مليون مواطن بمناطق التعدين إلى مجرمين (إرم نيوز 29 يناير 2015).
وقضية حقوق المعدنين، وأوضاعهم، لاتنفصل عن طريقة عمل أغلب شركات التعدين، التى تنجم عنها أضرار ماحقة بالبيئة، فشركة دلقو للتعدين، وحسب تقرير صادر عن تجمع الاجسام المطلبية، تأسست فى مايو 2002، ولها صلة قوية برموز نظام الإنقاذ البائد، ونظم المواطنون حركة مقاومة قوية، ضد نشاط الشركة، نسبة لما سبّبه من أضرار بيئية، بسبب موقع الشركة القريب من وادى مجرى سيل، مرتبط بالنيل، وعدد من الأودية الفرعية، وكشفت صور للأقمار الصناعية، ظهور ترسُّبات كيمائية، عقب بداية عمل الشركة بالمنطقة، تشير المشاهدات الأولية إلى أنّ هذه الترسبات، عبارة عن مخلفات تعدين مكونة بشكل أساسى من مركبات السيانيد القاتلة، ولا تنفصل كذلك، عن بيئة عمل المعدنيين التقليديين، التى تفتقر لأبسط مقومات الحياة الانسانية، فالسكن فى العادة عبارة عن جوالات، بدون سبل حماية من تقلبات الطقس، ولا لدغات العقارب، ولا توجد مرافق صحية، وفى العادة، يصل عمق الآبار الى أكثر من مائة متر، لذلك، تحدث حالات اختناق ووفيّات، بسبب فقد الأوكسجين، وانهيار الآبار، إضافة إلى الأمراض الناجمة عن استخدام الزئبق، والمعادن الثقيلة السامة.
المعدنون التقليديوين من هم ؟
قال محمد صلاح خبير الاقتصاد السياسى للذهب لـ(سودانس ريبورترس) وفقا لدراسة قمت بها 2018 عن التكلفة البيئية والاجتماعية لتعدين الذهب، يمكن أن نوضح الاتى: تتراوح أعمار المُعدّنين ما بين (15-45) عاماً، كانوا منتجين، وعاملين فى مواقع مختلفة، قبل أن يلتحقوا بالعمل فى قطاع التعدين الأهلى، وياتى فى مقدمة هؤلاء وبالترتيب (مزارعين، مستثمرين، رعاة، عطالة، عمال، تُجّار “قطّاعى”، عساكر متقاعدين، وموظفين دولة)… ونجد أنّ توزيع المُعدّنين حسب ولاياتهم، وبالترتيب هى: ( دارفور، كردفان، الجزيرة، القضارف، الخرطوم، النيل الابيض، الشمالية، نهر النيل، كسلا، النيل الأزرق، سنار، والبحر الأحمر).
وقال: يتضح من ذلك أنّ العاملين فى التعدين التقليدى لهم ارتباط مباشر بمناطق النزاعات، والرعي، والمشاريع الزراعية، مما يكشف أنّ أحد أضرار الحرب، هو فقدان المنتجين لعملهم، وتحوُّل نسبة منهم للتعدين، بكل ما يترتب على ذلك، من اضرار بيئية واقتصادية واجتماعية، وتغيير فى التوزيع السكاني.
وأضاف: من ناحية العمر، نجد كافة الفئات العمرية، بما فيها الأطفال فى سن أقل من (15) عاماً، رغم ما ينص عليه قانون الطفل (2010) الذى يمنع عمالة الأطفال، وتقوم الشرطة، فى فترات متباعدة، بعمل حملات لمنع عمل الأطفال، إذ تتم معاقبتهم بـ(الجلد)، وتُعيدهم لمواقع سكنهم، لكن، سرعان ما يعود الأطفال لممارسة نفس النشاط، وتلك إجراءات “بوليسية” غير مجدية، إذ لابُدّ من دراسة الأسباب وراء عملهم، فى مجال التعدين، الذى يتعرضون فيه للاستغلال الاقتصادى والبدنى والجنسى، وإلى زيادة نسبة التسرُّب من المدارس.
المعدنون يواجهون الاستغلال والسخرة
وبالنسبة لعائد عملهم، يواصل محمد صلاح حديثه لـ(سودانس ريبورترس) قائلاً: تُوجد صيغ تعاقُد مختلفة بين المعدنين، والأطراف الأُخرى، وهى صيغ أنتجها الواقع، لكن، تتّفق جميعها، فى أن العُمّال – وهم السواد الأعظم – يتعرّضون للاستغلال الاقتصادى، ويُجبرون على العمل فى بيئة عمل سيئة، مقابل عائد مادّي شحيح، ورغم ذلك، نجد أنّ زيادة الجبايات، أثّرت سلباً على عائد عملهم، وقال: ما يُزيد وضع المُعدِّنين سوءاً، أنّ قدرتهم على “التنظيم” ضعيفة، نسبة للتوزيع الجغرافي لمواقع العمل، واختلاف علاقات العمل، القائمة على علاقات القُوّة، فى ظل غياب الدولة، وغياب حمايتها للشرائح الضعيفة فى المجتمع.
*الصورة من الإنترنيت