قراءة فى اوضاع النازحين/ت: حماية المدنيين حق بموجب المواثيق الدولية
أطراف الحرب فى السودان، انتهكوا المواثيق الدولية، والنازحون يواجهون الموت والحرمان من الحقوق المدنية
كتبت: مديحه عبدالله – خاص (سودانس ريبورترس) … 3 يوليو 2025
نصت اتفاقية جنيف 1949 على حماية المدنيين فى اوقات النزاع ، وتشمل الحماية الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجروح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.
ونص اتفاق جدة لحماية المدنيين الموقع بين الجيش وقوات الدعم السريع 11 مايو 2023، على التزام اطراف الحرب بحماية المدنيين في السودان كمرجع، ويعيدون تأكيد جميع الالتزامات الواردة فيه، بما في ذلك الالتزام بالإجلاء والامتناع عن الاستحواذ واحترام وحماية كافة المرافق العامة كالمرافق الطبية والمستشفيات ومنشآت المياه والكهرباء والامتناع عن استخدامها للأغراض العسكرية.
أطراف الحرب وانتهاك المواثيق الدولية
لم تلتزم اطراف الحرب باتفاقية جنيف ولا باتفاق جدة ، بل أصبحت بنود الأخير محل شد وجذب بينهما، بينما يتم انتهاك حقوق المدنين، وفى قمتها الحق فى الحياة، بقصف الطيران، والمسيّرات، والقتل المباشر، وأصبحت رحلة النزوح بالنسبة للمدنيين، لا تتوقف من ولاية لأخرى، وداخل الولاية الواحدة، من منطقة لأخرى، مع التعرض لكل أنواع الخطر، وانتهاك الحقوق كأفراد ومجموعات.
تنقسم مراكز إيواء ومعسكرات النازحين والنازحات الى مجموعات، هناك معسكرات النازحين/ت فى المناطق التى نشأت قبل وبعد العام 2003، فى دارفور، على سبيل المثال، وظلت تتعرض للقصف بالطيران والحرق، وتحولت معسكرات مثل زمزم وأبوشوك إلى ساحة قتال بين الجيش والقوات المشتركة من جهة، والدعم السريع من جهة اخرى فى الآونة الاخيرة ( مارس 2025)، حيث راح ضحية ذلك الاستهداف الواضح للمحدنيين/ات، مئات القتلى والجرحى.
و تاريخيا ظلت معسكرات النازحين بدارفور تتعرض لضغوط من السلطات ومحاولات متعددة لتفكيكها، ولولا مقاومة النازحين/ت لذلك، لتم تذوبيها فى المدن.
ففى ولاية شمال دارفور قامت السلطات بمحاولات عديدة منذ العام 2008 لتفكيك معسكرى (كلما) و(الحميدية) بدعوى أنهما مهددان للأمن، وأنهما يشكلان معارضة للنظام، ففى العام 2018، جرت محاولات لتفكيك معسكرات أبو شوك، وزمزم ، والسلام … ويرى نازحون أن محاولات إفراغ المعسكرات من سكانها، تتم بوسائل مختلفة منها اشعال الحرائق، ووضع مخططات سكنية قريبة، بغرض تذويب المعسكرات فيها، لتحقيق أهداف كانت تسعى إليها سلطة الإنقاذ، وهى إخفاء صوت النازحين، خاصة، وأن إفاداتهم حول الانتهاكات كانت أحد أسباب إتهام رئيس النظام السابق – (عمر البشير) – من قبل المحكمة الجنائية الدولية، إضافة الى تمسكهم باراضيهم وحواكيرهم (شبكة عاين 9 مايو 2018).
وبسبب حرب 15 أبريل 2023، لم تعدهناك منطقة فى السودان، لم تعايش ظلمها وقسوتها، ويعايش النازحون والنازحات ظروفاً اجتماعيةً واقتصاديةً قاسية، فالخرطوم، التى انطلقت شرارة الحرب منها، خرج الكثيرون من أهلها صوب الولايات الأخرى، يحملون أقل المتاع، وأغلبيتهم، من النساء والفتيات والأطفال وكبار السن والمرضى، وقد شكّلت المدارس ملاذاً لهم، ورغم الدعم المجتمعى الكبير، إلّا أنهم عانوا من االتكدس فى أماكن محدودة المساحة، مع نقص كبير فى الطعام، والمياه الصالحة للشرب، والمرافق الصحية، والاحتياجات النوعية… وتعرضت النساء لحالات من العنف الجنسي والابتزاز داخل بعض مراكز الإيواء، وأثناء رحلة النزوح من قبل أطراف الحرب، ولولا الدعم المجتمعى الواسع، من المجتمعات المضيفة، وبعض المنظمات الدولية، والمحلية، لباتت أوضاعهم أسوأ بكثير(مقابلات مع نازحات ونازحين فى عدد من مراكز الايواء بمدنية ود مدنى يوليو 2023).
وتعرضت النازحات العاملات فى مجال بيع الشاي والأطعمة فى ولاية الجزيرة، للعنف والمنع من العمل بشارع النيل مدنى ( أغسطس 2023)، كما تعرض االنازحون لتجربة الإخلاء القسرى، من المدارس التى تم استخدامها كمراكز إيواء فى ولاية نهر النيل، عندما قررت السلطات هناك، استئناف العملية التعليمية (وكالة راينو الإخبارية 30 ابريل 2024 )، وأدّت محاولات السلطات فى ولاية القضارف، لإخلاء المدارس بالقوة، إلى حوادث قتل وإصابات وسط النازحين (صحيفة مداميك11/2023).
حماية المدنيين عملية اجتماعية متعددة الأبعاد
يوضح السفير نور الدين ساتي، الخبير فى مجال فض النزاعات، أن خطة حماية المدنيين عملية متعددة الجوانب، وليس مجرّد إجراءات أمنية فقط، ولكنها عملية شاملة، إذ لابد أن تتضافر فيها الجهود السياسية والعسكرية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، وبمشاركة فاعلة من المجتمع المدنى بتشكيلاته المختلفة، إضافة إلى الشركاء الدوليين بمجالات عملهم فى التنمية والعون التقنى والإغاثى، ويتطلب ذلك إجراء التحليل الصحيح لمسببات النزاع، والأخذ فى الاعتبار، الأبعاد الإجتماعية والمعيشية، والعلاقات، والتوازنات بين المجموعات المتصارعة.
وقال نورالدين ساتي لـ(سودانس ريبورترس): من خلال تجاربى فى العمل فى بعثة السلام فى كل من بورندى وروندا، أستطيع أن أقول أن تناقل الإشاعات وانتشار خطاب الكراهية عبر الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعى، تلعب دوراً كبيراً فى الترويج للمذابح والمجازر، لذلك، لابد من إعادة بناء المنظومة الإعلامية على المبادئ الخاصة بالحرية المسؤولة، وحرية التعبير، كما أن حماية المدنيين، تعتمد أيضاً على عقد المصالحات، وإحلال ثقافة السلام، وحمايتهم – أيضا – من غلاء الأسعار، وشظف العيش، وهو أمرٌ لايقل أهمية عن حمايتهم من المهددات الأمنية، وأضاف نورالدين ساتي: هنا يمكن أن نستفيد كثيراً من تجربة رواندا، وهو أن المدخل الأول لتسوية النزاع، بين جماعتى (الهوتو) و(التوتسي) كان فى إعادة النظر فى القراءتين المتضاربتين للتاريخ بين الجماعتين، وذلك، بعقد لقاء للمؤرخين من الجماعتين، للعمل لتوحيد رؤيتهما، فيما يتعلق بالتاريخ، وقد ساهم ذلك فى أن يتفقوا لأوّل مرة على جذور النزاع، وكيفية معالجته.
*الصورة من الإنترنيت