
كيف دمرت الحرب البنيات التحتية وحرمت السودانيين من الكهرباء والماء ؟
32% فقط من السودانيين كانوا ينعمون بالحق فى الكهرباء ..كيف هو الوضع بعد الحرب ؟
مديحه عبدالله: خاص (سودانس ريبورترس) – 20 مايو 2025
“الوصول للكهرباء ليس مجرد مسألة ملائمة بل هى حق من حقوق الانسان”…. جاء هذا خلال كلمة نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد جبريل، أمام قمة الطاقة الإفريقية ( مهمة 300) فى دار السلام بتنزانيا، وقالت أن هذا الحق يسهم بشكل مباشر فى تعزيز النمو الاقتصادى، وتحسين قطاع التعليم، ودعم الرعاية الصحية، وتعزيز المساوة بين الجنسين (موقع جسور بوست 20 يناير2025).
ففى الوقت الذى شهدت فيه تنزانيا انعقاد قمة الطاقة فى يناير 2025، من أجل العمل لتحقيق هدف توفير الطاقة لأفريقيا وتوصيل الكهرباء إلى (300) مليون شخص، تشهد البنيات التحتية فى السودان تدميراً هائلاً بسبب الحرب.
ووفقا لإحصائيات غير رسمية، فقد بلغت خسائر الكهرباء جراء الحرب مليارى دولار، لصيانة الشبكة القومية والمحطات الحرارية، و تهدم أكثر من (11) ألف عمود توصيل كهرباء، (العربى الجديد 16 مارس 2025)
32% فقط ينعمون بحق الكهرباء
وفقا لموقع Transitional institution( tni) أكتوبر 2022، تتوزع مصادر الطاقة في السودان بين التوليد المائي، والتوليد الحراري، حيث تقسم السعة الحالية التي تبلغ 3.5 (قيقا واط) بنسب تقارب 50% لكل منها فوفقاً لتقديرات 2018، فإن 32% من الشعب السوداني فقط، هم من يتمتعون بإمداد كهربائي من الشبكة القومية، يتركز معظمه في المناطق الحضرية، ويستثني ولايات دارفور الخمس، وجنوب كردفان، بحواضرها التي يتم إمدادها بواسطة شبكات محلية، تعمل بمتوسط ست ساعات في اليوم، وهي نفس مواقع اشتعال النزاعات المتأثرة بالتباين التنموي التاريخي.
ورغم العوامل المشتركة بين السودان، وبعض دول أفريقيا جنوب الصحراء، من انخفاض في معدلات الكهرباء والكثافة السكانية، إلّا أنه لم ينجح مثل هذه الدول في خلق أسواق وصناعات مزدهرة من الخيارات البديلة، الشيء الذي يعود في جزء منه إلى العزلة الدولية، التي كانت مضروبة على النظام السابق، بسبب العقوبات الأمريكية. على سبيل المثال، وبالمقارنة مع تنزانيا التي تمتلك 109 محطة شمسية معزولة بسعة كلية تبلغ 158 ميقاواط، يمتلك السودان محطة واحدة بسعة لا تتجاوز 5 ميقاواط.
إلا أنه لم تُفتتح أول محطة شمسية إلا في 2020، حينما تمّ تدشين محطة بسعة 5 ميقاواط في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بينما تشهد كذلك محطّتها التوأم في مدينة الضعين في دارفور بعض العقبات، التي حالت دون إكمالها، مثل التمويل وتأخير المواد والمعدات، وحالات سرقة لبعض المعدات. تم تمويل وتطوير المحطتين بواسطة الشركة السودانية للتوليد المائي والطاقات المتجددة والتنفيذ بواسطة شركة محلية خاصة تدعى توب قير.
الحرب مزيد من الحرمان والإفقار :
وتعرضت محطات الكهرباء فى عطبرة ومروى وأم دباكر لضربات مسيرات الدعم السريع ، وفقد قطاع الكهرباء بولاية الخرطوم قرابة 90% من القدرة التشغيلية منذ بداية الحرب.
وقالت الصحفية (ح .س) لـ(سودانس ريبورترس) فى مدينة بورتسودان يعيش المواطنون ظروفاً قاسية بسبب انقطاع الكهرباء، إذ ارتفعت أسعار “جوز الماء” مابين (1500 إلى 2000) جنيه، وهى مياه غير صالحة للشرب، مما تسبب فى الكثير من الأمراض، وسط تفاقم أزمة السيولة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والدواء، مما اضطر الكثير من النازحين إلى الرجوع إلى ولاية الخرطوم.
وقالت المواطنة عبير محمد لـ(سودانس ريبورترس) نحن كمواطنين فى الشمالية، مدينة كريمة، نعانى من انقطاع الكهرباء والماء منذ أكثر من 40 يوماً، وقد أصبحت الحياه شبه متوقفة، ونضطر لشراء مياه غير نقية، يتم جلبها من النيل مباشرة، مما أدّى الى انتشار الإسهالات، و يبلغ سعر البرميل ما بين (7-10) الف جنيه.
واضافت: أثّر عدم توفر المياه على كل مجالات الحياة، حيث تضرر المرضى فى المستشفيات، خاصة من يعانون من الأمراض المزمنة، ومن يخضعون لعمليات جراحية، وعرقل انتظام الدراسة، بعض المدارس توفر القليل من الماء، وينتهى اليوم الدراسى بانتهاء مجزون المياه، بعض إدارات المدارس أعلنت انّها غير مسؤولة من توفير الماء، وعلى التلاميذ توفير احتياجاتهم منها… أحد الطلاب فى مدرسة حكومية، غاب عن الوعي لعدم توفر مياه الشرب.
وذكر محمد عبدالرحيم تاجر بسوق مروى: أصبحت أزمة انقطاع الكهرباء والمياه من أكبر التحديات، التى تواجه الأفراد والمجتمع، ويتسبب انقطاعها فى تعطيل الاعمال المنزلية، ويؤثر على الشعور بالأمان، خاصة فى الفترات المسائية، كما أثّر على امداد المياه الصالحة للشرب والطهى والنظافة، مما أحدث ضغوطاً يومية على الأُسر، ويؤثر سلباً على الصحة العامة، ويزيد من انتشار الأمراض الناجمة عن سوء النظافة… وفى مجال العمل أدى انقطاع الكهرباء إلى تراجع مستوى الأداء والإنتاج فى القطاع لحكومى، وإلى تعطل خدمة الانترنت، وتوقف أجهزة التبريد والثلاجات، لحفظ السلع مما أدّى إلى تلفها، وتسبب فى خسارة مادية للتجار، كما أنّ غياب الإنارة ليلاً يُقلل حركة الزبائن، ويؤثر فى انقطاع المياه على مستوى نظافة المحال التجارية، مما يقلل ثقة المستهلكين.
الطاقة الشمسية كبديل مجتمعي: الطاقة الشمسية أخدت تشق طريقها للمدن والقرى المظلمة بجهد مجتمعي
إتجه عدد كبير من المواطنين لاستخدام الطاقة الشمسية، وحسب موقع (الترا سودان 24 ابريل 2025)، يقول المواطنون إن الأموال لشراء الطاقة الشمسية تُجمع من خلال مجموعات تراسل فوري “واتساب”، من الشبان والرجال الذين يقيمون خارج البلاد، خاصة في الخليج وأوروبا. الكل أصبح منهمكاً تجاه قريته الصغيرة.
تُستخدم ألواح الطاقة الشمسية في عدة خدمات، أبرزها تشغيل آبار مياه الشرب، وانسياب الكهرباء، إلى مقاهي الإنترنت “ستارلنك”، الخدمة الفضائية التي انتشرت بشكل كبير خلال الحرب، وتنافس شركات الاتصالات، أو شحن الهواتف، وتشغيل بعض الأجهزة المنزلية لساعات محدودة يومياً.
وقال التاجر محمد عبدالرحيم بمروى لـ(سودانس ريبورترس): ساعدت الطاقة الشمسية فى إنارة البيوت والمساجد والمدارس، وشحن الهواتف ،وتشغيل الثلاجات الصغيرة، لحفظ الاغذية والأدوية، إضافة لتشغيل مضخات المياه لرى الزراعة، وساهمت فى فتح مجال الابتكار المحلي، إذ أخذ بعض الشباب يعملون فى تصنيع أنظمة بسيطة من الألواح والبطاريات كمصدر دخل.
هكذا تدفع الحرب، مزيداً من المواطنين، نحو دائرة الحرمان من الحقوق الاساسية، وحيث تسدد أطراف الحرب الضربات للبنيات التحتية، تتناقض نسبة ال32% من السودانيين، الذين كانت تتوفر لديهم كهرباء بشكل متقطع وباسعار مرتفعة، إلّا أن الاتجاه لاستخدم الطاقة الشمسية، يُمثّل أحد نماذج الصمود والمرونة المجتمعية، لمقاومة اثار الحرب الوحشية.
الصورة رويترز (من الإنترنيت)