السودانتقاريرتقارير

تأثير الحرب على الزراعة: انهيار سوق المدخلات الزراعية في السودان

تحوّلت الزراعة إلى إحدى ضحايا الحرب والنزاعات في السودان، فيما يواجه المزارعون تحديات متفاقمة في بيئة اقتصادية وسياسية مضطربة

 

تأثير الحرب على الزراعة: انهيار سوق المدخلات الزراعية في السودان

 

تحوّلت الزراعة إلى إحدى ضحايا الحرب والنزاعات في السودان، فيما يواجه المزارعون تحديات متفاقمة في بيئة اقتصادية وسياسية مضطربة

 

تقرير: محمد عبد الكريم  (سودانس ريبورترس)  9 مايو 2025

منذ اندلاع الحرب في السودان، صباح يوم السبت 15 أبريل 2023، فى قلب عاصمة البلاد الخرطوم، بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، تتواصل – إلى يومنا هذا – أصوات المدافع، وتتزاحم أسراب المسيّرات، ويتواصل قتل المدنيين، دون رحمة، وقد توقّفت بسبب الاقتتال والمعارك الطاحنة – أيضاً – عجلة الزراعة في السودان، ومع اشتداد حدّة الصراع المسلّح، انهار سوق المدخلات الزراعية، بصورة غير مسبوقة، وأغلقت شركات كبرى أبوابها، ونُهبت مخازن غلال، وأُغرِقت الأسواق، بمنتجات مجهولة المصدر، وفاقدة للصلاحية، في ظل غياب الرقابة… وسط هذا الانهيار، يقف المزارع بلا حماية، أو بدائل، بينما يتحوّل الأمن الغذائي في السودان إلى ضحية أخرى من ضحايا الحرب.

يقول الأستاذ هشام محمد بله، وهو أحد المهتمِّين بالشأن الزراعي، وتاجر أسمدة ومبيدات، إن سوق المدخلات الزراعية في السودان، تعرّض لانهيار كبير عقب اندلاع الحرب .. وذكر أن الأسعار تضاعفت بنسبة تتراوح بين 300% إلى  400%، موضّحاً أن عدداً كبيراً من الشركات العاملة في القطاع الزراعي خرجت من السوق كلياً. وأضاف: “بعض هذه الشركات سرّحت عمالها بعد أن تم نهب أصولها، وسُرق مخزونها بالكامل، فيما فقدت أخرى وسائل الاتصال مع عملائها ومورديها الخارجيين، وحتى تلك التي نجت من النهب، لم تنجُ من شلل الأسواق، وصعوبة الوصول إلى المزارعين والمشاريع الزراعية التي توقف معظمها بسبب صعوبة الحصول على المبيدات والأسمدة”.

المزارع بين النار والفوضى

انعكس الانهيار في سوق المدخلات الزراعية على كافة مستويات النشاط الزراعي، بدءاً من المشاريع الكبرى التي خرج بعضها من الخدمة، مروراً بصغار المزارعين الذين لم يعودوا قادرين على شراء الأسمدة والمبيدات بسبب أسعارها الباهظة. هذا ما أدى إلى ركود كبير في الأسواق وتراجع ملحوظ في الإنتاج.

ويضيف هشام أن “ما زاد الطين بِلّة” هو دخول كميات كبيرة من الأسمدة والمبيدات غير المسجلة إلى السوق، وهي مواد مجهولة المصدر والتركيبة، تباع بلا رقابة، وتُستخدم دون دراية بعواقبها. وأكد أن بعضها تسبب بالفعل في خسائر إنتاجية جسيمة، وقد يترتب على استخدامها آثار صحية وبيئية خطيرة على المدى البعيد. كما حذر من أن استمرار هذه الفوضى سيؤدي إلى وقف صادرات محاصيل استراتيجية مثل السمسم، الصمغ العربي، الفول السوداني، الكركدي، والتبلدي، ما ينذر بانهيار كامل للقطاع الزراعي.

صرخات من قلب الحقول

من جانبه، يقول المهندس أحمد عثمان، وهو يعمل بإحدى الشركات المستوردة للأسمدة والمبيدات، إن الحرب أثّرت في سوق المدخلات الزراعية بشكل جذري. “سلاسل الإمداد تعطّلت تماماً بفعل إغلاق الطرق القومية والموانئ، ما أدى إلى تأخر وصول الشحنات وارتفاع تكاليف النقل والتأمين بشكل كبير”.

ويتابع: “الانهيار الاقتصادي وانخفاض قيمة الجنيه السوداني وتوقف المواني في بعض الفترات زادا من تكلفة الاستيراد وصعوبته، ما جعل هذه المدخلات الزراعية بعيدة عن متناول أيدي و”جيوب” كثير من صغار المزارعين، وأصحاب المشاريع الصغيرة.. إلى جانب ذلك، تعرضت مخازن معظم الشركات في مناطق النزاع المسلح للنهب أو الحرق، مما تسبب في خسائر فادحة وندرة شديدة في بعض المنتجات”.

ويحذر أحمد من أن نقص المبيدات ترك الحقول مكشوفة أمام الآفات والأمراض، قائلاً “إذا استمر هذا الوضع فإن مستقبل الإنتاج الزراعي في السودان سيكون في خطر حقيقي.

وفي جنوب دارفور، وتحديداً في مدينة نيالا، ينقل المزارع محمد حسن صورة مباشرة من عمق الأزمة، ويقول: “نواصل الزراعة رغم الصعوبات… لكن التوقف كان ليكون خياراً أقل خسارة”. ويوضح أنه اضطر إلى تقليص المساحة المزروعة من 15 فداناً إلى 3 فقط، مضيفاً: “عجزت عن شراء كامل احتياجاتي من المبيدات والأسمدة، فاقتصرت على زراعة ثلاثة أفدنة من البصل، بعدما ارتفع سعر رطل البذور من 3 آلاف إلى 50 ألف جنيه، وقفز سعر جوال “اليوريا” من 20 ألفاً إلى 180 ألفاً”.

أما الري، فصار معضلة حقيقية، يقول محمد ويضيف: “أحتاج إلى “جركانة” من الديزل كل ثلاثة أيام، وسعرها الآن بلغ 80 ألف جنيه، ناهيك عن تكلفة المبيدات والأسمدة التي أصبحت خارج حدود قدرتي تماماً”.

أنقذوا التربة قبل أن تجف

تحوّلت الزراعة إلى إحدى ضحايا الحرب والنزاعات في السودان، فيما يواجه المزارعون تحديات متفاقمة في بيئة اقتصادية وسياسية مضطربة. فغياب الاستقرار، وإغلاق الطرق، وفوضى السوق، لم تهدد فقط الأمن الغذائي، بل عمّقت معاناة من يعتمدون على الزراعة مصدراً للرزق، في مناطق طالما كانت سلّةغذاء البلاد.

اليوم، لم يعد إنقاذ ما تبقى من الموسم الزراعي الحالي، وحتى القادم، خياراً، بل ضرورة تمس حياة ملايين السودانيين، ومستقبل البلاد بأسره. آن الأوان لأن نُنقذ التربة، قبل أن تجف تماماً، وأن نُعيد للمزارع أدواته، قبل أن يُضطّر لطي فأسه، ويغادر أرضه خاسراً معركته أمام الحرب.

*الصورة من الإنترنيت “سودان تريبيون” 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى