الرأيسلايدرمدارات - فيصل الباقر

حرب قطع الطريق أمام تحقيق شعارات ثورة ديسمبر 2018، وشعاراتها فى الحرية والسلام والعدالة

المجاعة، لم تعُد مجرّد قراءات أوتنبؤات تحذيرية، تطلقها صافرات إنذار المنظمات الدولية، لجذب الانتباه، ولكنّها – وللأسف - أصبحت حقيقة مُعاشة على الأرض، مرئيّة ومسموعة

 

حرب قطع الطريق أمام تحقيق شعارات ثورة ديسمبر 2018، وشعاراتها فى الحرية والسلام والعدالة

 

المجاعة، لم تعُد مجرّد قراءات أوتنبؤات تحذيرية، تطلقها صافرات إنذار المنظمات الدولية، لجذب الانتباه، ولكنّها – وللأسف – أصبحت حقيقة مُعاشة على الأرض، مرئيّة ومسموعة

 

مدار أوّل:

“لا تحسبِ الأرض عن إِنجابِها عقِرت .. من كُلِّ صخرٍ سيأتِي لِلفِدا جبلٌ … فالغُصنُ ينبُتُ غُصناً حِين نقطعُهُ.. والليلُ يُنجِبُ صُبحاً حين يكتمِلُ” … ((عبدالله البردوني ))

 

-1-

دخلت الحرب المليجيشية الكارثية عامها الثالث، ومازال الناس يذكرون بألمٍ شديد، لحظات انزلاق طلقتها الأولى صباح يوم السبت 15 أبريل 2023، من فوهات البنادق “المليجيشية” المجنونة، والمغامرة، وما أحدثته فى قلوب وعقول السكّان، من هلعٍ وفزعٍ وخوف، من مصيرهم المجهول، فى مواجهة مناخات ومآلات الحرب البغيضة، ومجهولاتها غير المأمونة، ولا المضمونة، وها هي آلة الحرب الكارثية، وقد خلّفت وراءها حتّى – الآن – أكثر من 150 ألف قتيل، و12 مليون نازح، وفق تقديرات الأمم المتحدة، ومازالت “تُبشّر” بالمزيد !.

-2-

يومها ظنّ مفجروا الحرب، وهُم تحت وهم سطوة وجنون وسكرة “قعقعة” السلاح، إنّها ستكون حرباً “خاطفة”، و”ساحقة”، وراهنوا خطئاً، وبسوء تقديرٍ، لا يليق، بعسكريين محترفين، يحملون أعلى الرتب العسكرية، ويُرصِّعون أكتافهم، وصدورهم، بشاراتها البارزة، على انّها ليست سوى سويعات معدودات، أو أيّامٍ معلومات، يحسموا فيها أمر “الإستيلاء” على السلطة، أو “استردادها” بالقضاء الكامل، والكُلّي، على “الخصم” “الضعيف”، ولكنها – أي الحرب “المليجيشية” الكارثية – ساقتهم بسيناريوهاتها المتوحشة، إلى أسفل سافلين، وبئس المصير، بتمدُّدها فى الزمان والمكان، وتدحرُج كرة نيرانها المشتعلة، فى طول البلاد وعرضها، حتى وصلت مرحلة “حرب الجميع، ضد الجميع، وعلى الجميع”!.

-3-

 وللأسف، مازال جنرالات الحرب المهووسين، من الطرفين، وحلفائهم، من المليشيات المصنوعة، يرددون – ببغائية – “حدوتة” (آن أوان النصر القريب)، ويبتلعون أكذوبة سحق “العدو” و”تدميره”، ويتباهون فيما بينهم، هنا، أو هناك، وعلى مسامع الناس، بتدمير وتحطيم آليات ومعدات حربية للـ”عدو” المزعوم، والمهزوم، لا محالة!، فيما يؤكّد الواقع المرير، أنّ الحرب الكارثية، تزداد وتيرتها، وتتسع رقعتها، يوماً بعد يوم، وشهراً، تلو شهر، وعاماً إثر عام، ويتنقّل فيروسها الخطير، بين الخرطوم والفاشر، بصورة وبائية، والنتيجة الأوّلية، المزيد من الدماء، و”الإبتلاء”، والمحصّلة هي المزيد من القتل والتشريد للمواطنين، والمزيد من الدمار، وتعاظُم الفقد المريع فى الأنفس والثمرات!.

-4-

العالم أجمع، بات يُشاهد ويُراقب – عن كثب – سرديات الحرب “المليجيشية”، وفى ذات الوقت يُتابع ويرى تمدُّد وتجذُّر المعاناة الإنسانية، ومن ملامحها نُضوب “التكايا” من الطعام، وانحسار مخزون الدواء والكساء، وصُعوبات ومخاطر توصيل ما يُجمع من الغذاء والدواء للمحتاجين والمحتاجات، بسبب قفل الطريق أمام العون الإنساني، وقِصر أيدي الخيّرين والداعمين، رغم أنّ عيونهم بصيرة !… وإذا ما سُمح لهذه المجاعة المتوقعة، أن تتسيّد الموقف، وتفرض سردياتها وسيناريوهاتها المخيفة فى البلاد، فإنّ التاريخ سيسجّل أنّ سنة المجاعة السودانية قادمة، وقد لاح نذرها منذ عام (2024)، وبلا أدنى شك، ستكون أسوأ كارثة إنسانية فى الذاكرة العالمية الحديثة، وذلك، ببساطة لأنّها فاقت – وستفوق بكثير – كارثة مجاعة الصومال (2011)، ومجاعة جنوب السودان عامي (2017) و(2020)…فأيّ مصير ينتظر إنسان السودان؟!.   

-5-

كل هذا وذاك، يعني أنّ الحديث عن وقوع طامّة المجاعة، لم يعُد مجرّد قراءات أوتنبؤات تحذيرية، تطلقها صافرات إنذار المنظمات الدولية، لجذب الانتباه، ولكنّها – وللأسف – أصبحت حقيقة مُعاشة على الأرض، مرئيّة ومسموعة، يعيشها الناس، نُدرةً فى الموجود فى الأسواق، وشُحّاً فى الجيوب، وجفافاً فى الضروع، وحرقاً فى الزروع، وبهذا، تكتمل آخر حلقات ما تبقّى من سيناريوهات الإفقار!. 

-6-

 وبدلاً، عن اللجوء للتفكير السديد، وإعمال العقل السليم، فى التعامل مع الكارثة الإنسانية، متمثلة فى المجاعة القادمة، والتفاعل الموضوعي مع ويلات الحرب، هاهو الجنرال البرهان، يُحفّز من جعلهم وقوداً للحرب، بمنحهم “الأوسمة”، و”النياشين” تحت مسمى “وسام الكرامة”، وما أدراكما الكرامة، وقد منحه لضباط القوات المسلحة، والقوات النظامية الأخري، والضباط المعاشيين، والجهات “الإعتبارية” والمرافق الأخرى، كما منح ضباط الصف، والجنود، وكذلك، “المستنفرين”، من المواطنين المشاركين فى معركة (الكرامة) “نوط الكرامة”!.   

-7- 

هاهو الجنرال البرهان، يفصح عن ما بصدره من عداء مكشوف ومفضوح، لثورة ديسمبر 2018 المجيدة، فى مخاطبة جماهيرية، فى “مدينته الفاضلة”، بورتسودان، فيقول ساخراً: “لا مجد بعد اليوم لـ(اللساتك)”، فى إشارة لما اعتاد الشباب عليه – وقتها – من حرق للإطارات فى الشوارع، لمنع قوات الأمن من الوصول إليهم، وضربهم واعتقالهم وقمع تظاهراتهم، ويُضيف مُخاتلاً “المجد، للبندقية فقط”، وهو بهذا السلوك “الصبياني”، يتحدّى الجيل “الراكب رأس”، الذي فجّر ثورة ديسمبر، ولكن، هيهات، فقد جاء رد ثوار ديسمبر عاجلاً، لا آجلاً، وقد قبلوا التحدّي، وحتماً، ستنتصر فى نهاية المطاف، إرادة الشعب، بتحقيق السلام ، الذي يحفظ للوطن أمنه، ولإنسانه كرامته الحقيقية، وما هذا ببعيدٍ على شعب السودان، صانع الثورات، وصاحب البطولات !.  

-8 –

يوماً بعد يوم، يتأكّد أنّ هذه الحرب الكارثية، ليس من أغراضها هدم “سودان قديم”، بـ”تاسيس” دولة المواطنة، والكفاية، والمساواة، التى ستقيم العدل، وتحقّق الانصاف، وتُنجز جبر الضرر، على أنقاض “دولة 56” المُفترى عليها، كما يتشدّق بذلك، الجنرال حميدتي، وتُروّج لذلك ببلاهة وغوغائية، آلة إعلامه المعطوبة، و “بروباقاندا” من اصطفُّوا خلف بندقيته الصدئة، يُبشّرون بـ”سودان جديد”، يُؤسّس على فوهات البنادق، وضجيج “المُسيّرات”، وفى ذات الوقت، ليست حرب “كرامة” كما يزعم الجنرال البرهان، ورهطه القديم، من يخططون لعودة نظام “الإنقاذ” القميء، الذى ذاق شعبنا عذاباته، وعرف عن ظهر قلب، مآسي ومخازي دكتاتورية دولته البغيضة، ولكنّها، من قبل ومن بعد، حربٌ قصدت – بلا أدنى شك – قطع الطريق، أمام تحقيق أهداف ثورة ديسمبر 2018 العظيمة، وشعاراتها، فى الحرية والسلام والعدالة، ولكن، هيهات.

-9 –

لأؤلئك، وهؤلاء، من أباطرة وجنرالات حرب 15 أبريل 2023 “المليجيشية” الكارثية، نقول، أنّهم مسئولون بالتساوي فى ارتكاب جرائم الحرب، والإبادة، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وقد خالفوا – أجمعين – قواعد وسلوك القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، بإشعالهم نيران حرب 15 ابريل 2023، المليجيشية الكارثية، وبارتكابهم المجاذر، تلو المجاذر، وهي جرائم يندى لها الجبين، نقول لهم، إنّ “السودان الجديد” الذي ينعم شعبه بالكرامة والمساواة والرفاه، هو ما أوضحته ثورة ديسبمر 2018، بشعاراتها الواضحة ((حريّة … سلام … وعدالة))، وهو المطلوب.   

-10-

حرب 15 أبريل “المليجيشية” الكارثية، يا هؤلاء، لا يمكن فهمها بدون امتلاك المعرفة العميقة لكل الجوانب المحيطة بالحرب، والمحرّضة عليها، ولا يمكن فهم وسمها ورسمها، بعيداً عن النظر لاحتدام الصراع على المستويين الدولي والإقليمي، للسيطرة على الموارد فى السودان، فهناك مسألة استكمال السيطرة على ما تبقّى من ذهب السودان، وهناك مسألة أجندة استباحة السيطرة على الموانيء، والسيطرة على الأرض الخصبة، وهذا يعني بإختصار، أنّها حرب يخوضها الطرفان المتورطان في إشعالها، بـ(الوكالة)، وليس بـ(الأصالة)، وهُنا مربط الفرس، أي فرس الحرب التى أهلكت الزرع، وجففّت الضرع، ودمّرت الموارد، وحطّمت البني التحتية، ومن قبل ومن بعد، قتلت الناس “المدنيين”، وشرّدتهم، وشتت شملهم، وقسّمتهم على العرق واللون والجهة الجغرافية، والقبيلة، بل، و”خشم البيت”، وغذّت خطاب الكراهية، والتمييز، والعنصريّة، فى أبشع حرب، يمر بها السودان، رغم حروبه الطويلة.  

جرس أخير:

“سرقوا فمي.. لم يتركوا لي غير قافيةٍ خجول… سرقوا فمي .. لم يتركوا لي ما أقول” … ((محمد مفتاح الفيتوري))

 

فيصل الباقر

faisal.elbagir@gmail.com

 

 

*الصورة المصاحبة للمقال من الإنترنيت

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى