لجان المقاومة السودانية: من عسف الدكتاتورية.. لجحيم الحرب
انخرطت لجان المقاومة في دعم مجتمعاتها المحلية، وقامت بإنشاء المطابخ لتوفير وجبات الطعام، ومساعدة المرضى
تقرير: ماجد القوني – خاص (سودانس ريبورترس) – 29 أبريل 2025
منذ تأسيسها ظلت لجان المقاومة السودانية، صامدة في مواجهة الكثير من التحديات التي عبرت تحت جسر التحولات السياسية السودانية، وساهمت في تغيير دفّة القرارات السياسية التي تُوِّجت باقتلاع نظام (البشير)… وفى مواجهة التحديات السياسية خلال الفترة التي تلت ذلك التغيير، لم تبرح لجان المقاومة شوارعها، ومنصاتها الاحتجاجية، من أجل بناء وتأسيس ما توافقت عليه، واستبسلت بشجاعة وروح عمل قاعدي جماعي، فى التصدي لمحاولات العودة لنظام ما قبل الحادي عشر من أبريل.
استبسال لجان المقاومة، وتأثيرها في السياسة السودانية، دفع قوى سياسية مختلفة للسعي لاستقطاب عضويتها، ومحاولة التأثير عليها، لتمرير الأجندة الحزبية، ووفقاً لمراقبين فإنّ السبب فى محاولات الاختراق، يأتي لقدرتها التنظيمية العالية، وتعبيرها عن مفاهيم ثورية تطالب بالحرية والعدالة والتنمية. انحياز لجان المقاومة لقضايا الوطن والمواطن، وضعها أمام مسؤولية كبيرة، في ظل غياب المؤسسات الرسمية للدولة، بعد اندلاع حرب 15 أبريل 2023، مُضافاً إلى ممارستها العمل المدني المستقل، في الأحياء، تحت سيطرة طرفي الحرب.
الباحث الاجتماعي فيصل عبدالحميد يرى أن لجان المقاومة، يتم استهدافها على خلفية أدوارها الثورية من قبل جهات ترى خطورتها فى تصديها لمهام بناء الوعي المجتمعي وتوجيهه لتبني قضاياه، هذا المسلك يتعارض مع أحلام وطموحات الداعمين للدولة البوليسية والدكتاتورية، ولأسباب عديدة، فإنّ الممارسة السياسية للجان المقاومة، واجهتها الكثير من العراقيل والتحديات، وربّما لم تنجح في اقناع الشارع السوداني بقدرته على إدارة مؤسسة الدولة منذ الاستقلال وحتى الآن، وظهرت بعد ثورة ديسمبر دعوات لتأسيس حكومة من قيادات الشارع والثوار السودانيين، لقطع الطريق أمام الاسلاميين.
حرب 15 أبريل، حشدت غالبية القوى السياسية، بين دفتي تياري الأطراف المتحاربة، وأفرغت الساحة السياسية من القوى نفوذ التقليدية… فى هذا المناخ المضطرب، انخرطت لجان المقاومة بدورها في دعم مجتمعاتها المحلية، وقامت بإنشاء المطابخ لتوفير وجبات الطعام، ومساعدة المرضى، عبر غرف الطوارئ، ولجان دعم المستشفيات، لكن، للأسف، لم تكافئ الحرب جهودهم الإنسانية بتجنيبهم الاستهداف الممنهج، والإخفاء القسري، والقتل العمد، والتصفيات الجسدية.
الاقتصادي د. جلال أحمد عبدالله، ذهب إلى أن الأوضاع الانسانية في مناطق الصراع المسلّح، أحدثت الكثير من التحولات على مستوى الأوضاع الاقتصادية، لمواطنين فقدوا مصادر دخلهم، مع غياب المساعدات الانسانية، وفشل المنظمات من التوصل مع طرفي الحرب لتحديد ممرات آمنة لايصالها.
وجود عضوية لجان المقاومة في مناطق سيطرة الجيش والدعم السريع وحلفائهم، اكتنفته الكثير من المخاطر، مما استدعى اللجوء لإجراء تفاهمات مع طرفي الحرب حول حد أدنى من التعاون، يتمثل في مساهمتها في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطن… مع استمرارية الحرب، وتصاعد حدتها، تراجعت جهود لجان المقاومة في الاستمرار فى تقديم الخدمات للمجتمعات المحليّة بدون التعرُّض لمخاطر أكبر، وكنتيجة للظروف الصعبة التى تعمل فيها لجان المقاومة، تعرضت كوادر لجان المقاومة لانتهاكات جسيمة، بتهمة التعاون مع الطرف الآخر، وتتم تصفيتهم على الملأ، ودون محاكمات، في انتهاك صارخ لحقوق الانسان واستهداف للرصيد الرئيس لثورة ديسمبر..ويمضي عبدالله إلى ضرورة مطالبة طرفي الحرب بعدم اقحام عضوية لجان المقاومة في تصفية حسابات الحرب، لأنّ ما يقومون به مسؤولية، كان يجب أن تقوم بها الدولة بدلا عن تجريمهم.
تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا)، كشف عن توقف 70% من أصل 1,400 مطبخاً جماعيّاً، بسبب نقص التمويل، حيث يعتمد مئات الآلاف من السودانيين في مناطق النزاع، على تأمين الغذاء من المطابخ الجماعية، التي يشرف عليها متطوعون، تحت تنظيم غرف الطوارئ، بعد أن دمرت الحرب الأنشطة الاقتصادية، وسبل كسب العيش. ويضيف مكتب (أوتشا)، في تحديث عن الوضع الإنساني اطلعت عليه (سودانس ريبورترس)، إن أكثر من 70% من جملة 1,400 مطبخ جماعي في السودان توقف عن العمل بسبب نقص التمويل، بما في ذلك، المناطق التي تواجه جوعاً حادّاً. وأشار – التقرير- إلى أن غرف الطوارئ تعمل على تقديم الطعام والرعاية الصحية الأساسية، وأشكال أخرى من الدعم، في أنحاء كثيرة من السودان، حيث يتعرض مئات الآلاف لخطر متزايد حال توقُّف عمل هذه الغرف… التقرير يؤكّد حاجة غرف الطوارئ إلى 12 مليون دولار شهرياً لاستمرار عمل المطابخ الجماعية، وتقديم الخدمات الضرورية إلى السودانيين.
ناشطٌ فى لجان المقاومة (فضل حجب إسمه للظروف الأمنية) ذهب إلى أن مشاركة لجان المقاومة في النظم القائمة – الآن – يتنافى مع مرتكزات وأهداف لجان المقاومة، وهدمٌ لأسس وقِيم تبنتها، إبّان التأسيس، تتمثل في أن المشاركة في السلطة ليست هدفاً للجان المقاومة، ربما، هذا لا يمنع مساهمة اللجان، من المساهمة مع الجهات المحلية المسيطرة على الأرض، فى سبيل خدمة المجتمعات المحلية، خاصة، وأن لجان المقاومة، تتمتع بحيز مناسب وسط الجماهير، وإمكانية الوصول لتقديم الخدمة الضؤورية، عبر لجان الخدمات، وغرف الطوارئ ولجان (التكايا).
ناشطوا لجان المقاومة، يناشدون المنظمات الدولية بالانتباه والتنبيه لأوضاعهم الصعبة، واشراكهم فى عملية إيصال المساعدات الإنسانية، ويطالبون طرفي الحرب، بتجنيب لجان المقاومة، مخاطر التفلُّتات الأمنية، وكذلك، وقف الاستهداف المباشر للجان المقاومة. ويؤكّدون أنّ الطريق الذي رسمته ثورة ديسمبر المجيدة، وهو طريق (الحرية، السلام والعدالة)، وخضّبت هذا الطريق بدماء الشهداء، وتضحياتهم، من أجل تحقيق الحرية والسلام المستدام والعدالة، ورفاهية الشعب السوداني، وفي سبيل ذلك، لم – ولن – تتوقف لجان المقاومة يوماً عن حراكها الثوري.
مع تمدُّد الحرب واتساع رقعتها، برزت هناك أوضاع صعبة وبالغة التعقيد مُستجدة، باتت تعيشها لجان لجان المقاومة فى تصديها لإلتزاماتها المجتمعية، كما أنّ هناك تحديات ومهددات، تواجه وجودها المجتمعي، وتعرقل مساهماتها ودورها فى تخفيف معاناة النازحين فى ولايات السودان، على مستوى توفير وتوزيع الغذاء والدواء، مما يطرح تساؤلات مشروعة بشأن استهداف وجودها، وهل هناك مخططات تجري لتصفية وجودها، واخراجها من الواقع السياسي السوداني..؟!.