السودانتقاريرتقاريرسلايدرصحافة حقوق الانسان

الذهب الدموي.. كيف أصبح كنز السودان لعنة على شعبه؟

مع اتساع رقعة الحرب في السودان، باتت عائدات الذهب تستخدم بشكل مباشر في تمويل النزاع المسلّح والحرب المدمرة

الذهب الدموي.. كيف أصبح كنز السودان لعنة على شعبه؟

 

مع اتساع رقعة الحرب في السودان، باتت عائدات الذهب تستخدم بشكل مباشر في تمويل النزاع المسلّح والحرب المدمرة

 

 حسين سعد (خاص – سودانس ريبورترس)  –  16 أبريل 2025

رغم تصدر السودان للمراكز الأولى في إنتاج الذهب على مستوى القارة الإفريقية، وامتلاكه احتياطات ضخمة ومواقع تعدينية هائلة، لم تثمر هذه الثروة الهائلة رفاهاً ملموساً ولا استقراراً للشعب السوداني، بل أصبحت وقوداً لصراعات داخلية وخارجية، وأداة لإعادة تشكيل النفوذ السياسي والعسكري في البلاد، في ظل غياب الرقابة، وتفشي الفساد، وتهميش المواطن من عائدات واحدة من أغنى الثروات الطبيعية في السودان.

إنتاج وفير … دون أثر ملموس

يحتل السودان المرتبة الثالثة إفريقياً، والـ13 عالمياً، في إنتاج الذهب، وفقاً لتقارير المسح الجيولوجي الأمريكي. وبلغ إنتاجه نحو 18.6 مليون غرام في عام 2022، بعد أن وصل إلى ذروته في 2018 بإنتاج نحو 93 طناً. ويضم السودان أكثر من 40 ألف موقع لتعدين الذهب، وتعمل فيه أكثر من 200 شركة لتكريره، موزّعة على 13 ولاية، بينها 15 شركة، تعمل في ولاية جنوب كردفان وحدها.

لكن، رغم هذا الثراء، يعيش ملايين السودانيين تحت خط الفقر، ويعمل قرابة 3 ملايين منهم في التعدين التقليدي في ظروف قاسية، تتراوح بين مخاطر الانهيارات الأرضية، ولدغات العقارب والأفاعي، وسطوة التقلبات المناخية، وصولاً إلى التعرُّض للمواد السامة المستخدمة في التنقيب، دون أدنى حماية أو رعاية صحية.

جبل عامر وسيناريو السيطرة بالسلاح

لم يكن جبل عامر في شمال دارفور سوى نموذجاً صارخاً لتحوُّل الذهب من ثروة وطنية، إلى عامل لتغذية وتأجيج للصراع. ففي عام 2012، أدى اكتشاف كميات ضخمة من الذهب هناك، عن طريق معدنين تقليديين إلى تدافع الآلاف إلى المنطقة، بينهم وافدون من دول الجوار. وسرعان ما تحولت المنطقة إلى ساحة معركة بين المليشيات، خصوصاً بين زعيم قبيلة المحاميد موسى هلال، وقبيلة بني حسين السكان الأصليين للمنطقة، انتهت بسيطرة قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) بعد إلقاء القبض على هلال، لرفضه تسليم سلاحه لحكومة البشير.  

سرعان ما تحول الذهب إلى سلاح سياسي، ورافعة لقوة الدعم السريع التي امتلكت نفوذاً مالياً مستقلاً، عبر شركة “الجنيد” المملوكة لعائلة دقلو، إلى جانب الشراكة مع مجموعات روسية مثل “فاغنر”، ما مكّن حميدتي لاحقاً من الصعود إلى منصب نائب رئيس المجلس العسكري الإنتقالي، ثم نائب مجلس السيادة، خلف عبد الفتاح البرهان، بعد الإطاحة بالبشير، وتقاسم السلطة مع المدنيين في قوى إعلان الحرية والتغيير عام 2019م… وأصبح لقوات الدعم السريع استقلالاً ماليا وعسكرياً استخدمته لاحقا لتعزيز نفوذها داخلياً وخارجياً، بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان الحديث.

مناطق الذهب الأخرى.. بين الإهمال والانفلات

تمتد حقول الذهب في السودان، من أقصى الشمال، إلى أقصى الغرب والشرق، من بينها منجم هساي في الشمال الشرقي، والذي بلغت إنتاجيته منذ اكتشافه عام 1993 حتى 2011 نحو 2.3 مليون أوقية، وتشترك في ملكيته شركتا “أرياب” السودانية و”لا مانشا” المملوكة لرجل الأعمال المصري المليادير نجيب ساويرس. بنسبة 60% لشركة أرياب و40% للشريك المصري.  

في جنوب دارفور، تحولت منطقة الردوم إلى أحد مراكز التعدين الأهلي النشطة، خاصة بعد عام 2016، لكن الحرب التي اندلعت في 2023 بين الجيش والدعم السريع، أوقفت النشاط فيها تقريباً، نتيجة تدهور الوضع الأمني، ونقص الوقود، مما أدى إلى انسحاب غالبية الشركات، وتقلّص عمليات شركة “الجنيد” بنسبة 70%.  

وتُعد منطقة الردوم من أغنى مناطق جنوب دارفور بالذهب، وتتميز بحركة نشطة لآلاف التجار والعاملين في قطاع التعدين، إلى جانب وجود عناصر عسكرية. قبل اندلاع الحرب، كانت منطقة سونغو تشهد نشاطاً مكثفاً، حيث كان يعمل فيها نحو ألف من عمّال المناجم، في مواقع بارزة، مثل أغبش، درابا، ثريا، وادي نيالا، سرفايا، وجومانا، إلّا أن تفاقم الصراع المسلّح، والانفلات الأمني، أدّيا إلى شلل شبه تام في أنشطة التعدين بحلول عام 2023، خاصة مع انقطاع إمدادات الوقود، وانخراط عدد كبير من عمال الذهب، في صفوف قوات الدعم السريع. وتعد شركة “الجنيد” التابعة لآل دقلو أبرز المُشغِّلين في المنطقة، لكنها شهدت تراجعا حاداً في عملياتها، نتيجة النقص الحاد في الوقود، ما أجبرها على تقليص طاقمها العُمالي، وأدى ذلك، إلى انخفاض الإنتاج الشهري، إلى أقل من طن واحد من الذهب.

التهريب … الخطر الأكبر

تشير التقديرات إلى أن نحو 80% من الذهب السوداني يُهرّب خارج البلاد، عبر شبكات متعددة. ووفق الخبيرة الاقتصادية د. بخيتة محمد عثمان، التى تحدّثت لـ(سودانس ريبورترس)، فإنّ الذهب، أصبح المورد الرئيسي للنقد الأجنبي، بعد انفصال/ استقلال جنوب السودان عام 2011، إلا أن عمليات التهريب الهائلة، أفقدت الدولة عوائد كان يمكن أن تُحدث فروقا جوهرية في الاقتصاد الوطني.

ويؤكد الخبير الاقتصادي كمال كرار لـ(سودانس ريبورترس) أن “غياب الشفافية والرقابة على عقودات الذهب، حتى بعد الثورة – ( في إشارة، لثورة ديسمبر 2018، التي أنهت حكم البشير بعد ثلاثين عاماً من القهر) – جعل العوائد تذهب إلى جيوب النافذين، لا إلى خزينة الدولة… ويشير كرار إلى أن اللجنة الاقتصادية لـ(قوى الحرية والتغيير) دعت سابقاً إلى مراجعة العقود، وسيطرة الدولة على الذهب، لكن المطالب، لم تجد طريقها للتنفيذ، من حكومة الفترة الإنتقالية.

ذهب الحرب… لعنة تتجدّد

مع اتساع رقعة الحرب في السودان، باتت عائدات الذهب تستخدم بشكل مباشر في تمويل النزاع المسلّح والحرب المدمرة، خاصة وأن المعارك دارت في مناطق الانتاج الزراعي والحيواني والمدن، في حين بقيت مناطق تعدين الذهب “آمنة”، لم تصلها نيران المعارك، التي أصبحت تُدار بعائدات الذهب، بدلا عن توظيف هذه الثروة، في إعادة البناء، وتحقيق التنمية والاستقرار.

لقد تحولت نعمة الذهب في السودان من نعمة إلى نقمة، بل، إلى لعنة… مورد كان يمكن أن ينقل البلاد إلى مصاف الدول المستقرة والغنية، أصبح سببا في المزيد من التشرذم، وصراع النفوذ، وضياع الفرص والموارد… وبينما تواصل الشركات النافذة والمليشيات الاستفادة من هذه الثروة، يبقى السوداني البسيط، على هامش الذهب، لا يلمسه سوى بيده، ليحفر، ويحلم، ويُترك فقيراً، بلا مقابل… وفي السابق منح نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، مليشيا الدعم السريع حقولاً غنية بالذهب، مكافأة لها على المجازر والإنتهاكات المروعة في إقليم دارفور، واستمرّ عطاء من لا يملك، لمن لا يستحق، حتّى بعد ثورة 2018، ومن لا يعرف دور الدعم السريع ومؤسسيه، ومن قنّنوا وجوده فى جريمة فض الاعتصام أمام القيادة العامّة فى يونيو 2019. 

 

 

!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى