الرأي

الإسم الكامل إنسان *…العنف و الصراع الطبقي ( عوضية محمود و عفاف تاور )

الإسم الكامل إنسان *…العنف و الصراع الطبقي ( عوضية محمود و عفاف تاور )

 محمد بدوي

(1)

طالعتنا وسائل الإعلام في الإسابيع القليلة الماضية بالعديد من الأخبار التي عمدت ان اعمل فيها مفرزة الضمير الإنساني   لاتوقف عند خبرين الأول يتعلق يتكريم  ومنح وسام الشجاعة من قبل  وزارة الخارجية الأمريكية للمراة السودانية السيدةعوضية محمود كوكو ضمن قائمة النساء الشجاعات لعام 2016م و حوت القائمة  (10) نساء من مختلف أنحاء العالم من الناشطات في الدفاع عن حقوق المرأة و من اللائي اتسمت مساهمتهن بالتضحية من أجل تحسين أوضاع النساء. و ما يجعل الحدث ذو أهمية ودلالة كبري، أنه عبر عن إستمرار حركة الحقوق الفردية و حقوق الإنسان في النمو  و التطور بالقدر الذي  أستطاع أن يفرز لها حيزا مقدرا في ظل إستمرار مد العولمة والخصخصة و صراعات المصالح الدولية.فالانتباه الي مثل هذه القضايا النوعية علي المستوي العالمي يعتبر ابرازا إنسانيا لها بعد ان ظل التعاطي معها في حيزها المكاني يواجه تعقيدات وعوائق تتعلق بفلسفة وطبيعة الانظمة الحاكمة فيما يتعلق بالزاوية التي يتم من خلالها النظر الي قضايا النساء وحقوقهن بشكل عام ، الامر الاخر  يرتبط بالممارسة التي تسعي لسلب تلك الحقوق الاصيلة كالحق في العمل نفسة ليس بتوسيع رقعة العطالة فحسب بل عبر التضييق و التجريم الملحق بالعقاب . هذا التكريم لعوضية يعتبر تكريم لفكرة العمل والانسان كقيمة عابرة للحدود واللون واللغة والدين والحكومات.

(2)

أما الخير الثاني فقد تعلق بتصريح للأستاذة :عفاف تاور أبوراس البرلمانية السودانية و القيادية بحزب المؤتمر الحاكم  السوداني حول تحميل ثلاثة من قادة المعارضة بالحركة الشعبية لتحرير السودان –قطاع الشمال ( مالك عقار –رئيس الحركة ، عبدالعزيز الحلو –القائد العسكري السابق بالإضافة الي ياسر عرمان الامين العام للحركة )  مسئولية اطالةأمد الصراع المسلح في إقليمي جنوب كردفان و النيل الأزرق،فمن ناحية كونه رأي فهو حق مشروع في مسار التعبير عن الرأي  لكن الادهي ان تاور قد ذهبت وفقا للمواقع الالكترونية  ( لم تنف الاستاذة تاورذلك) إلي  الكشف عن ما يراودها  من رغبة جامحة في حرمان خصومها من (الحق في الحياة)  متخيرة لذلك أن يتم بعملية إنتحارية ،  التصريح يشير إلي الخلل النفسي و الذي يكشف طبيعة الذهنية الملغومة بالعنف، فإن كانت تعيب عليهم استمرار الحرب فكيف يستقيم أن تتم المفاضلة في رغبة إنهاء الحرب وتوفير السلم و الامن مقابل  حرمان اخرين  حياتهم بأي طريق كان ، فجوهر العلاقة  في حل الأزمات أن (الانسان هو محور الكون) يستحق الحياة و ليس لأحد التفكير في سلبه مناياها.

(3)

وهنا تنبع أهمية الحدث في الكشف عن نسق التفكير  المرتبط بالمصالح السياسية وليس بقناعة أصيلة نابعة من الايمان بالامن والسلم المرتبطة  بالانسان، أكثر من ذلك فهو تعبير عن ذهنية الحل المرتبط بالعنف او استخدام القوة ، أضف الي ذلك أن النضال من أجل الحقوق و القضايا علي مسار التاريخ الانساني اتسم بالحكمة التي تعبر عنها الافكار التي يدلي بها القادة وما يجافي ذلك فهو (عرض حال ) لطرق التفكير التي تحملها اللغة الي العلن .

(4)

قد يبدو لوهلة أن الخبرين يسيران في خطين متوازيين لا يمكن لهما الإلتقاء  لكن الأمر ليس كذلك ، فالسيدة عوضية محمود جاء تكريمها تتويجا لمسيرة نضال إمراة سودانية ظلت تعمل في بيع الشاي ( مهنه هامشية) منذ العام 1979م و تعرضت في سبيل توفير لقمة العيش، للسجن لفترة وصلت الي أربع سنوات من سنون عمرها ،أما تصريح الاستاذة عفاف تاور فقد جاء محمولاً علي راهن الصراع المسلح بين الحكومة والحركة الشعبية /قطاع الشمال منذ العام 2011م ،

بالنظر إلي تلك الخلفيات، فالترابط بينهما يكمن في أن السيدتين السودانيتين ضحايا لأشكال مختلفة من العنف ، فالاولي ضحية لعدم قيام الدولة بتوفير الخدمات التي تُمكّن من العيش الكريم و الرفاهية الانسانية و الحرمان من الحق في العيش بأمان في الفضاء العام  بما يرمي الي تدجين الفئات التي ترتاد الشارع العام  ومنعها من  الاقتراب  من المقاومة للسلطة، مع الاخذ في الاعتبار أن من تلك القوانيين قانون النظام العام الذي يهدف  في فلسفته الي تشكيل روافع سياسية متدثرة بالقانون لإنفاذ  فلسفة سياسة الحزب الحاكم في السيطرة علي أشكال المقاومة الشعبية التي سبق وان احدثت التغيير السياسي في ثورتي اكتوبر 1964م و أبريل 1985م، فهي حزم أيديولوجية سياسية مذيلة بالعقوبات أكثر منها قواعد قانونية، فرغم ذلك نجحت السيدة: عوضية في تكوين جسم نقابي ضم 8000 من النساء اللائي عانين من أزمات مركبة ومستمرة في /من العنف .

(5)

أما الاستاذة: عفاف   فقد جاء موقفها ليمثل (كشف حال) لذهنية فئة إرتبطت مصالحها بالحزب الحاكم مما يكشف تحولات كبيرة في مستوي البناء الاجتماعي حيث استطاع الحزب الحاكم الاستقطاب علي مستوي البنية الإجتماعية بتحوير   دينامكية  ذات الصراع  حول الموارد مستعينا من الإمساك لاكثر من ربع قرن   علي السلطة ..فالاستاذة تاور تعبر عن وجه نظر فئتها الاجتماعية  ومصالحها  التي سارت في ذات اتجاه الحلو ل المرتبطة بالقوة العسكرية و العنف و التي هي امتداد لفسفة الحزب الحاكم في مواجهة خصومه، فكل ما فعلته انها  حددت الطريقة التي تروق لها  ، الامر الذي يجعلنا نقول إنها الاخري تمثل أحد ضحايا بنية التفكير التي تنفي الاخر و تنظر الي الانسان من منطلق المصلحة التي تسيطر علي  نسق  تفكيرها ، ببساطة لا يمكن المفاضلة بين  حرمان خصم من حياته من أجل أن ينعم اَخرون بالحق فى الحياة ، لكن في قاموس العنف الذي تبنته عفاف من موقفها المرتبط بالحزب الحاكم سرب إليها امكانية حدوث ذلك وفي تقديري انها استندت علي (فلسفة الغاية تبرر الوسيلة ) التي يمكن أن تحتل حيزاً  في قاموس الاسلام السياسي من جانب و تظهر بجلاء في كونها أحدي الدوافع التي (تسور) صراعات المصالح .

(6)

منصة وقوف السيدة (عوضية)  تشير الي الوعي بالقهر و مقاومتة بأنشطة  واعية و ذات جذور ضاربة في المقاومة السلمية   عبر  إسنتهاض أوعية التنظيمات النقابية للدفاع عن مصالح وحقوق  عضويتها ،ورغم الجغرافية المكانية التي انحصرت بولاية الخرطوم، إلّا أن العدد الذي بلغ ال(8000) من العضوية يعبر عن فعالية  نشاطه في وقت ظلت المتاريس  والقيود من قبل السلطة تضعف العمل النقابي   للأجسام  غير المتحالفة أو المرتبطة بالسلطة السياسية الحاكمة ، فاستطاعت بث الوعي تجاه  أهداف ذاك العنف االذي يهدف إلي القهر الذي يدفع للتماهي مع السلطة الحاكمة و الانضمام الي عضويتها أو التحالف معها من باب مبدأ الحرص علي المصلحة الشخصية، وبالتالي  إحتلال احد ادوار المنفذين  للقهر عبر نوافذ الانتماء للسلطة التي اصبحت مشرعة لمن غلّبوا مصالحهم  الذاتية  . فالاشكال المادية للعنف التي ظلت تحرم نساء السودان من الحرمة من الانتهاكات و إن اختلف شكله  الي  أشكال (نفسي )  فكلتا السيدتين عانتامن دورالسلطةالمتقاصر في ضمان حياة كريمة لنساء، فقهرت (عوضية) بالانتهاكات التي وصلت الي سلب الحرية ودفعت نحو تاور بقنبلةمن فلسفة العنف استقرت في ذاكرتها قبل ان تنفجر بذاك التصريح.

(7)

بالرغم من المظاهر الاقتصادية التي صاحبت ظاهرة العولمة، إلّا أن  ثبات خطي سير ثورة الحقوق الفردية و حقوق الانسان، استطاعت أن  تكبح  مسار الحركة الاقتصادية المرتبطة بالمصالح في السير، دون احترام تلك الحقوق، بل دفعت بها إلي خانة المشاركة  علي نسق  استهجان ، مناصرة  و الدفاع عن تلك الحقوق الامر الذي يشير الي السير نحو تغيُّرات في دينامكية المصالح التي صارت مقيدة و مسنودة بفلسفة (الإنسان محور الكون)

 محمد بدوي

* إقتباس من قصيدة (إنسان) للشاعر الراحل محجوب شريف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى