الرأي

فوضى التلفزيون … مَنْ وراءها؟

فوضى التلفزيون … مَنْ وراءها؟

وزير مايكل

فرح الكثيرون من الحادبين على مصلحة الشاشة القومية والرافضين لدرك العشوائية التي هي عليها من تخبط إداري وفني بتعيين الزميل عادل فارس مياط على رأس هذا الجهاز، مراهنين على خبرته المتميزة في تحسين صورة التلفزيون القومي وإدخال عليه بعض اللمسات الفنية التي قد تزيد من وجاهة هذه الشاشة بعد أن كانت طاردة للمشاهد المحلي قبل أن تكون محل سخرية للمتابعين خارج حدود القطر، وإن دلّ هذا الفرح على شيء فإنه يدل على الرغبة التي تعتري نفوس الناس في جعل التلفزيون القومي واجهة مقبولة تعكس بحق وحقيقة المكنون الثقافي لإنسان جنوب السودان من خلال مخاطبتها لواقع التعدد والتنوع الذي يمثل السُّمة الحقيقية للبلاد.

أصف واقع التلفزيون بـ”الفوضى” ليس لأنني أريد أن أنتقص من مكانة هذا الجهاز في قلوب (الوليديين أي الجنوب سودانيين)، لكني أحاول أن أتطرق على مشاهد مؤلمة ذات تفاصيل مخجلة يخشى البعض تناولها عبر كتاباتهم ربما خوفاً من دينونة القائمين على أمر الإدارة العليا خاصة وأن هذه التفاصيل قد شكلت الأسباب والمسببات التي أقعدت التلفزيون وحالت دون تقدمه وتميزّه.

(*) دورات عديدة تلقاها كثيرون من الزملاء العاملين بجهاز التلفزيون خارج البلاد وخاصة في مجال التصوير التلفزيوني، التقديم البرامجي للمذيعين، الجرافيكس والديكور، الإخراج التلفزيوني وغيرها من الفنون الأخرى، وتوقع المشاهد أن تأتي هذه الدورات كلها بالثمار الجيدة وبالمنفعة على الشاشة، لكن شيء من هذا القبيل لم يحدث، فقد ظلت الشاشة مشوهة فنياً وبرامجياً، ومَنْ يلاحظ بدقةٍ ربما يكتشف أن بعض الذين استحوذوا على هذه الدورات شخصيات من ذوي الخبرات الفاقدة للصلاحية، هؤلاء – واقصد هذه الشخصيات – يتعاملون مع التأهيل والتدريب كفرصة للرزق مالياً وليس سانحة للإكتساب او ما شابه، وهذه واحدة من مظاهر الفوضى التي نتحدث عنها هنا.

(*) عندما كنتُ داخل حوش الإذاعة القومية الذي يضم كذلك التلفزيون القومي، شاهدتُ بأم عيني إداريين تحولوا إلى مقاولين بإمتياز يتقاضون أموالاً مقابل التغطيات تحت مسمى حافز العمل، وهي أموال تذهب إلى الجيوب مباشرة ولا يتم إيداعها في خزينة التلفزيون (إن كان للتلفزيون خزينة) حتى يُستفاد منها في مشروعات الإصلاح والتطوير الموضوعة والمخطط لها والتي تشمل التحديثات التقنية من شراء كاميرات، أشرطة، وكمبيوترات، او حتى برامج التأهيل للكوادر حيث تُرِكَ أمرها لمؤسسات أجنبية شريكة من بينها الوكالة اليابانية للتنمية الدولية (JICA)التي إختارت أن تبني مقراً داخل حوش الإذاعة والتلفزيون حتى تُجنب عن نفسها عناء التنقل والترحال المستمر لدواعي التدريب وكذا.

(*) الذي لا يعلمه الناس هو أن برج الإرسال الذي يتوسط حوش الإذاعة والتلفزيون يدر للمحطة أموال هائلة من العملة الصعبة، كونه يدخل ضمن الصفقات التجارية الرابحة للإذاعة والتلفزيون، حيث يضم أجهزة إرسال لمحطات أخرى بعضها دولية مثل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، صوت أمريكا (VOA) وغيرها، وعائدات هذه الصفقات غير واضحة للعيان حتى اللحظة بدليل أن المحطة تشتكي بإستمرار من ضعف التمويل.تخيل أنها غير قادرةعلى دفع إستحقاقات المتعاونين (200 جنيه لكل متعاون في الشهر) التي تجاوز تأخرها إلى الآن ثلاث سنوات بالتمام والكمال، وعندما جاء الوزير الحالي “مايكل مكوي” وعد منذ اليوم الذي وطأت فيه أقدامه مباني الوزارة بتحريك هذا الملف وبمحاسبة المتورطين في إخفاء هذه الأموال لكن دون جدوى.!!

(*) بعد قرار تعيين “عادل فارس”، قررت المحطة وضع حزمة من الإصلاحات الجديدة، من بينها إستديو جديد لنشرات الأخبار، حيث بدأ فريق من المهندسين العمل في تجهيزه تحت إشراف مباشر من المدير الجديد، بعد ذلك سمعنا بتدخل المدير العام للتلفزيون ووكيل الوزارة، حيث قاموا بإعلان التدشين للإستديو الجديد بمشاركة الوزير “مايكل مكوي” دون أن تكتمل التجهيزات الفنية والبرامج المصاحبة حسب خطة مدير التلفزيون، والنتيجة في النهاية هي فشل النظام الجديد كُلياً للإستديو والسبب يعود لـ”Cable” لم يتم إيصاله بالبث، عندئذٍ بدأت أصابع الإتهام تتجه نحو “عادل فارس” ربما لمعارضته من الأساس فكرة تشغيل الاستديو قبل إكتمال التجهيزات واصفين إياه بالمتآمر على كباره،وبحسب معلوماتنا من مصادر مقربة من وزارة الإعلام والبث فإن المدير الجديد “عادل فارس”قد تأكد نبأ إحالته للتحقيق بعدما أوقفوه عن العمل منذ تاريخ العاشر من مارس الجاري. الآن وبعد أن تعطل النظام الجديد بسبب خطأ فني إرتكبه المهندسون، توجّب على المحطة إحضار مهندس آخر أكثر كفاءة من الحاليين، ووفقاً لمعلوماتنا فإن تكلفته يمكنها شراء (4) برومتر لأربعة كاميرات مخصصة لنشرات الأخبار.!!

ولإعتقادي فإن هؤلاء ربما أرادوا تشويه صورة “عادل فارس” حتى يفقد فرصة دخوله منافسة المدير الإداري المرتقب لهيئة جنوب السودان للبث التي بدأت للتو خطوات التأسيس لها، او ربما يقصدون المليون جنيه الذي تبرع به السيد “مكير قاي تيب” قبل شهر لإصلاح التلفزيون بالإضافة إلى عشرة آلاف جنيه شهرياً تبرع بها الرجل للمكياج وملابس المذيعين، حيث تسلم الشيك وزير الإعلام شخصياً بعد أن طلب إحضاره له، لذا يكونون قد شرعوا في خلق زخم يبعد الشبهات حول كيفية إدارة المبلغ بعد إيداعه خزانة الوزارة بداعي فتح حساب للهيئة المرتقبة، وتكون الفرصة قد تهيأت لإقتناصه أو التصرف فيه وفق أدوات خفية بعيداً عن “عادل” الذي هو السبب في إحضار الرجل لهذا المبلغ الذي يعتقد بأنه سيكون تحت تصرف التلفزيون المفتقر أصلاً للوسائل.

إن التجربة التي أمامنا الآن تثبت بما لا يدعو مجالاً للشك بأن عملية إصلاح التلفزيون ليست في إقالة مدير وتعيين آخر (إحلال وإبدال)، بل في التفاصيل الكُلية الدقيقة التي يتكون منها جهاز التلفزيون قياساً بالمؤسسة القابضة “وزارة الإعلام والبث”، فالسلطات هنا متضاربة لدرجة يمكن وصفها بالقنبلة القابلة للإنفجار مرة ثانية بعد درس “مكوي – عبداللطيف” الفائت والذي لم يستفد منه أحداً، فكل جهة ” وزير الإعلام، وكيل الوزارة، المدير العام للإذاعة والتلفزيون”تمارس وصاية”مزاجية” على جهاز التلفزيون مما تساهم في تعقيد سير الأمور وتعطيل الإصلاح المنشود، والحل برأيي يكمن في الفصل بين هذه الجهات، وإعلان الإذاعة والتلفزيون هيئة مستقلة بإدارتها وبقراراتها، تتبع بشكل مباشر من حيث التمويل لرأس الدولة (مجلس الوزراء او مكتب الرئيس على سبيل المثال) على أن تكون سلطة التعيينات فيها بيد القائمين على أمرها بعيداً عن أهواء الإملاء والوصاية، رغم قناعتي بأن رأس الدولة التي أعول عليها الرحمة هو الآخر أُسّ كل هذا البلاء الذي أصاب الجميع بحالة زكام حاد بعدما تعطس– هذا الرأس –إدارياً وأطلق آخر رصاصة موت على معاش المواطن وإستقراره…..مع السلامة

وزير مايكل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى