الرأيكتب

حصاد البارود : مليشيات الجنجويد فى دارفور

 

حصاد البارود : مليشيات الجنجويد فى دارفور

اسم الكتاب: حصاد البارود: مليشيات الجنجويد في دارفور
اسم المؤلف: محمد بدوي
الناشر: دار اوراق
تاريخ النشر : سيعرض الكتاب بمعرض القاهرة في يوم 27 يناير

كتب : على عجب

صدر هذا الأسبوع كتاب (حصاد البارود) مليشيات الجنجويد في دارفور عن دار أوراق للنشر بالقاهرة، لمؤلفه المحامي والكاتب والمدافع عن حقوق الإنسان محمد بدوي، الذي استطاع في الفترة الماضية التحليق بقرائه في عوالمه الأدبية من خلال مجموعة أعمال أدبية في مقدمتها “وجوه: سرد من وقع الحياة اليوماتي”، الذي صدر في خمسة كتيبات، بالإضافة إلى رواية “بوتابيكا”.
يطرق محمد بدوي بكتابه الجديد “حصاد البارود: مليشيات الجنجويد في دارفور” مجال التوثيق والتحليل لقضايا متشابكة تتداخل فيها علاقات السلطة والمصالح والاستقطاب، فاستطاع من خلال بحث علمي وموضوعي رصين أن يقدم لنا مادة غنية بالمعلومات والتوصيف الدقيق لبنية المليشيات في السودان. استغرق هذا البحث زمناً مقدراً اطلع خلاله الكاتب على العديد من المراجع ووقف على آراء وتعليقات وتحليلات كثير من الباحثين والمعنيين بالأمر، بالإضافة إلى إفادته من حصيلة مراقبته لتطورات الصراع في إقليم دارفور منذ أن كان يعمل محامياً ومدافعاً عن حقوق الإنسان في مدينة الفاشر، مسقط رأسه، وهو بهذه الصفة يعتبر شاهد عيان على العديد من الأحداث في التي وقعت في المنطقة ووتائر تعقيد وتداخل علاقات الصراع والتنافس في المنطقة.
يصدر هذا العمل الجديد للكاتب محمد بدوي في وقت استحكمت فيه قبضة المليشيات على مفاصل السلطة في مختلف أنحاء البلاد إلى درجة أصبح من العسير معها التمييز بين حدود سلطة الدولة وسلطة المليشيات. فقد أورد الكاتب معلومات دقيقة عن شخوص وكيانات تورطت تاريخياً في تأجيج الصراع القبلي واستغلال النفوذ السياسي وآلة الدولة، وتمكّن بذلك من تقديم صورة واضحة عن خلفية وقائع تجييش المواطنين المدنيين وتسليحهم للقضاء علي بعضهم بعضا. لذا نجح الكاتب من خلال هذا الاستعراض الشامل في إزالة الغموض عن العديد من المفاهيم الملتبسة حول من كان يقف، ولا يزال، وراء تعاظم دور المليشيات في الحروب الأهلية التي لازمت تجربة الحكم الوطني في السودان، إذ تتبع الكاتب الجذور التاريخية لتكوين المليشيات عبر أزمنة الحكم السودانية المختلفة معتمداً على توثيق المعلومات في ترابطها الزمني وتاركاً للقارئ خيار الحكم في توجيه المسؤولية.
عمد الكاتب إلى تجاوز المسميات والمفاهيم الجاهزة التي سادت عن المليشيات، واختصارها في مسميات طغت على الحقائق التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت وراء تسهيل تكوينها من جانب الفاعلين السياسيين عبر مختلف حقب الحكم الوطني. هذا المنطلق سهل مهمة الكاتب في تتبع التطور المنطقي لنتائج لسياسات إجرامية تورط فيها العديد ممن تقلدوا مناصب عليا في البلاد. كما أوضح أيضاً أن استخدام المليشيات في الحروب الأهلية منذ عهد نميري لم يكن أمرأ يُنظر إليه باعتباره جريمة تتعلق بأمن واستقرار البلاد، إلى درجة أن يتورط في ذلك قادة حكومة منتخبة ديمقراطياً، مثلما فعل الصادق المهدي في عهد الديمقراطية الثالثة عندما تم تكوين مليشيات الفرسان، وهو ما ثبت في مقررات لجنة تحقيق وطنية أُنشئت في عام 1988 وتوصلت إلى أنه قد جرى بالفعل تسليح قبائل عربية بواسطة رئيس هيئة الأركان آنذاك. ويرى الكاتب أن هذا المسلك كان مفارقة مهدت لتحول الصراع في دارفور إلى صراع دموي بين أبناء الإقليم. ويرى الكاتب أن ما قامت به الجبهة الإسلامية بعد انقلابها على السلطة في 1989 قد فاق كل التصورات، فإذا كانت حكومة الصادق المهدي قد تورطت في تسليح القبائل سراً، فإن نظام الإنقاذ أنشأ الميليشيات علناً بموجب قانون الدفاع الشعبي، الذي منح أفراد المليشيات رتباً عسكرية وقام بتسليحها على نحو مواز للقوات المسلحة، وهو عمل قصد به في المقام الأول إزالة أركان ومعالم الدولة وتقويض استقلالية وقومية أجهزتها الرسمية.
يعطي الكتاب مساحة مقدرة في نهاية بحثه لإبراز دور المليشيات التي تم تكوينها في دارفور كاشفاً الغطاء عن العديد من الحقائق عن طبيعة مليشيات الدفاع الشعبي والجنجويد في دارفور، ثم أخيرا قوات حرس الحدود التي تم إلحاقها بشكل رسمي بالقوات المسلحة، والتي باتت تُعرف “بقوات الدعم السريع” بعد ان أُلحقت بجهاز الأمن والمخابرات الوطني. استعرض الكاتب أيضاً الدوافع والأهداف التي صاحبت التطورات في تركيبة ومسميات هذه المليشيات، مبينا في الوقت نفسه الأرضية القبلية وتداخل العوامل الاقتصادية والسلطوية التي أدت إلى بروز قادتها من أمثال موسي هلال وحميدتي وطموحاتهم الشخصية المتضخمة.
استعرض الكتاب في الفصلين الأخيرين موقف أطراف الأزمة في الإقليم، مبينا حجم معاناة الضحايا الذين التجأوا إلى معسكرات النزوح بعد أن طالهم العقاب الجماعي على تمرد بني جلدتهم. كما قدم الكاتب قراءة تحليلية للتغيرات التي طرأت على بنية وتركيبة المليشيات على المستوي الاقتصادي والاجتماعي والاقتصادي، اضافة الي تقديمه تحليلاً موثقاً بالمعلومات حول ما بات يُعرف بـ(سوق المواسير) في إقليم دارفور وتبعيته لاستراتيجية اقتصادية تنفذها الحكومة عن طريق عضويتها في المؤتمر الوطني. ويرى الكاتب أن المليشيات وأنشطتها المختلفة باتت تشكل في الوقت الراهن حكومة داخل حكومة تقوم بجباية الإتاوات من السكان المدنيين وتدير اقتصاد الحرب بالسيطرة على مواقع اقتصادية بالإضافة إلى الاتجار في المخدرات والقيام بكافة عمليات التهريب مستفيدة من السلطة الواسعة التي تتمتع بها مقابل مساندة الحكومة في القتال نيابة عنها..

على عجب

لندن – المملكة المتحدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى