الرأي

واصلوا صداقتكم مع الشارع : رسالة إلى حزب .. ورئيس حزب !

  واصلوا صداقتكم مع الشارع : رسالة إلى حزب .. ورئيس حزب !

فضيلي جمّاع

أؤكد بدءاً فرحي مثلما فرح الآلاف من أبناء وبنات وطني بعرس بشرى الحرية والفعل الديموقراطي الذي أقمتموه الأسبوع المنصرم، والذي جاء في ظرفٍ تشرئب فيه أعناق الملايين في بلادنا كل يوم للعتق والحرية. لكنّي قصدت أن تأتيكم هذه الرسالة إخوتي وأخواتي في حزب المؤتمر السوداني بعد أن ينفض سامر المهنئين، عشماً في أن تجد رسالتي أذناً صاغية تستوعب النصح قبل ضحي الغد.

أسجل مثل الكثيرين إعجابي الشخصي بأطروحات حزبكم التي تدعو إلى دولة المواطنة والشراكة في الحقوق والواجبات. وأعترف أنّ إعجابي مرده أسباب أخرى كثيرة وعلى رأسها أنّ عضويتكم كانت بين عضوية أحزاب ومؤسسات مدنية قلة هي من خلق صداقة مع الشارع العريض في العامين الماضيين بصفة خاصة ، معلنة في كثير من مدن السودان احتجاجها على سلطة القمع القابعة على صدر شعبنا فوق ربع القرن من الزمان. كانت عضويتكم ولما تزل ترفع أصبعاً لا يعرف الخوف في وجه القتلة وسارقي قوت الأيتام!

كما إنّ من أسباب  الفرح أنكم – ولأول مرة في تاريخ ما بعد استقلال بلادنا – تمارسون قولاً وفعلاً شفافية الأداء المؤسسي في حزبكم ، وكأنكم تقولون للآخرين : إن من لا يمارسون الحرية في بيتهم الصغير يستحيل أن يمارسوها في وطن شبه قارة ! لقد سبقني الكثيرون وهم يشيرون إلى احترام مؤسسات حزبكم لدستوركم الذي تراضيتم، وكيف ترك منصبه رئيس حزبكم بمقتضى نص الدستور لتأتي قيادة جديدة من بعده فتمضي صعداً بأشواق الحزب وجماهيره- جماهير شعبنا – صوب الحرية والديموقراطية والعيش الكريم. لم يعل اسم الرئيس السابق للحزب وتضحياته الكبيرة في أصعب الظروف على دستور الحزب ، ولم يقدم بعض مناصريه تلك التضحيات حجة للتمديد له في سدة الحزب، مثلما فعلتها كل أحزاب السودان من قبلكم دون استثناء فكان أن قعدت بأشواق شعبنا فوق الستين عاماً من العجز في أن نكون رواد الديموقراطية في قارتنا البكر – أفريقيا.

أعجبني كثيراً في حزبكم أنه يتمدد – رغم عمره اليافع- بصورة صحية ومنطقية بين صفوف الجيل الجديد في مدن السودان وقراه ، دون التقوقع في مركزية أضرت ببلادنا بإهمالها إنسان الهامش العريض. باهتمامكم بالجيل الجديد من النساء والرجال فأنتم تراهنون على بعض الحاضر وكل المستقبل. وبانتشاركم في أرياف الوطن ومدنه وقراه فأنتم إنما تنشرون الوعي بالفعل الديموقراطي والسياسي بين التعداد الأكبر لمواطني بلادنا. حافظوا على تمددكم خارج المركز.. يكن لكم ولبلادكم ما أردتم من تضامن الناس في الأرياف مع مدن البلاد ، وخلق وطن تتماسك أطرافه كتلة واحدة ، وتسهل بذلك إدارته وشراكة مواطنيه في السلطة والثروة فعلا لا قولاً.

شيء أخير أراحني وأنا أتابع أنشطتكم وبياناتكم السياسية ، وهو أنكم غير مصابين بفوبيا أصابت بعض أحزاب المركز من فصائل النضال في الجبهة الثورية السودانية. بل عددتم التنسيق مع الحركة الشعبية – ش بعضاً من ضروريات تنسيقكم لجمع شمل المعارضة السودانية صفاً واحداً يطيح بكابوس النظام الفاشي الجاثم على صدر شعبنا. أنتم حقاً تكبرون في عيني!

إلى المهندس / عمر يوسف الدقير.. حافظ على نقائك الثوري:

سلام أيها الثائر بحق. يعرفك الكثيرون مذ تصدّيت وزملاءك من قادة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم إبان انتفاضة مارس-أبريل 1985 طيبة الذكر. ويعرفك البعض معارضاً قوي الشكيمة في صفوف جماهيرنا الصامدة في المهجر. تقود مع مناضلين آخرين الأنشطة الاجتماعية والخيرية وتتصدون لمحاولات النظام المستمرة شق حائط شعبنا والتغلغل في جسده بالفرقة. ويعرفك البعض مهنياً لا يشق له غبار في الهندسة. كل أولئك على حق في أن يمتدحوك أو يقدحوك بما شاءوا. لكني أدعي أنني عرفتك منذ نعومة أظفارك في تلك السهول والأودية التي لا تلد إلا الشموخ والكبرياء. عرفتك أخاً أصغر ، فمدينة المجلد – التي أنجبتك – كانت ولا تزال باعتقادي أسرة واحدة كبيرة. جمعت في أحيائها إثنيات وعشائر وأجناس هم السودان المصغر في مدينة صغيرة. كنت الصبي الصامت بين أشقاء وشقيقات – حفظكم الله. ما التقينا إلا وكنت بانتظار أن أبدأك الكلام. وكنت إذا تحدثت أحسنت أدب الحديث. لا تتعرض لخصمك بفاحش القول ولا لحن الكلام. ما خضنا – أنت وأنا ذات يوم – في لغو السياسة وأزقتها أبداً. لكنك كنت تعرف أنني فخور بك وبأمثالك ممن سلكوا طريق النضال وحب الوطن منذ نعومة أظفارهم ، لم يتلوثوا ولم ينحنوا لعاصفات المحن. وتعرف أنني ما وجدت سانحة قصيرة جمعتنا إلا وابتسمت في وجهك ابتسامة الرضا من إنسان يعرفك ويحبك ويحترم خيارك..لا ، بل يسلك وإياك ذات الطريق ، حاملاً في يده قرطاساً وقلماً ودواة ، داعياً إلى ما تدعو إليه أنت وجيلك: إلى وطن جديد لشعب صبر حتى مله الصبر. وكنت أعرف دائماً أنك تعطيني من ابتسامات الرضا ما يخجل تواضعي.

شكراً لجماهير حزبك وعضويته الواعية، فقد عرفوا كيف  يضعون الرجل المناسب في المكان المناسب. ليس لي من نصح أزجيه ، فأنا كما قال شيخ شعراء السودان محمد المهدي المجذوب: أعترف بأني قلما انتفعت بنصيحة! ومن باب الواجب ألا أوزع النصح يمنة ويسرة. لكنّ نصحي هنا يدخل من باب المحبة والتقدير والإعجاب التي تعرفها: كن كما أنت – نقياً نظيفاً عف اليد واللسان، فإن النقاء الثوري ليس بضاعة كل من دخل سوق السياسة ومنعرجاتها. لكن عشمي فيك كبير ..وكبير جداً !

فضيلي جمّاع

لندن – 20/01/2016

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى